هل درست البرمجة في المدرسة؟ كيف هي لغتك الإنجليزية؟ أين عملت سابقًا؟ أين خدمت في الجيش؟ هل تعرفين أمير كوهين؟ كل هذه الأسئلة، التي تبدو عادية للغاية بالنسبة للعاملين في قطاع الهايتك، قد تثير الكثير من عدم الارتياح لدى بعض العاملين المحتملين الآخرين: العرب، رجالًا ونساءً، الذين أنهوا درجة البكالوريوس في تخصصات الهايتك (مثل البرمجة أو الهندسة)، ويخطون خطواتهم الأولى في هذا المجال.
العوائق التي تمنع العرب من الاندماج في قطاع الهايتك معروفة، وناقشتها المنتديات الحكومية والمنظمات المتخصصة لسنوات. تبدأ الفجوات من المدرسة، ومن الثقافة المنزلية، وتستمر لاحقًا في الجامعة وسوق العمل. ولكن مجموعة من الباحثين من جامعة حيفا قررت الغوص أعمق في التفاصيل، لفهم كيفية تأثير الأعراف السائدة في قطاع الهايتك على دمج العرب، الذين من المفترض أن يكونوا مرشحين ملائمين لهذا القطاع.
بين جميع شرائح السكان في إسرائيل، هناك فجوة كبيرة بين التعليم والعمل. من جهة، نسبة الأكاديميين الإسرائيليين مرتفعة جدًا مقارنة بدول أخرى، ولكن من جهة أخرى، تُصنف مهاراتهم لسوق العمل المستقبلي على أنها منخفضة للغاية. هذه الفجوة لا تستثني المجتمع العربي: على مدار سنوات، كان هناك ارتفاع كبير في عدد العرب الذين يدرسون علوم الحاسوب والهندسة في الجامعة، ولكن اندماجهم في قطاع الهايتك ما زال منخفضًا، حيث يشكلون حوالي 2% فقط من العاملين فيه (وأغلبهم رجال). هؤلاء لا ينجحون في تحويل التعليم الأكاديمي الذي حصلوا عليه إلى فرص عمل ذات جودة.
أُجري البحث من قِبل د. عينات ليفي من قسم الخدمات الإنسانية، البروفيسور أساف ليفانون من قسم علم الاجتماع، داريا غوميلسكي-هيافي، طالبة دكتوراه في قسم علم الاجتماع، وروان كعبية، طالبة ماجستير وباحثة في جامعة حيفا، والتي تعمل أيضًا في وحدة تعزيز الوظائف في الجامعة. وتوضح روان سبب إجراء هذا البحث قائلة: “رأينا في البيانات وفي الميدان زيادة كبيرة في عدد الشباب الذين يتوجهون لدراسة التخصصات التكنولوجية. ولكن على الرغم من ذلك، ورغم وجود برامج حكومية ومنظمات تدفعهم نحو هذا الاتجاه، فإن نسبة العرب في قطاع الهايتك ما زالت منخفضة. الاستنتاج الرئيسي من بحثنا هو أن التعليم العالي وحده لا يكفي للاندماج في سوق العمل – وبالتأكيد ليس في قطاع الهايتك”.
“كيف تسير الأمور”
البحث لا يتجاهل وجود أسباب بنيوية وراء غياب العرب عن قطاع الهايتك، لكنه يشير إلى أن جزءًا كبيرًا من العوائق ينشأ من نقص معرفة الشباب والشابات العرب حول كيفية “عمل الأمور فعليًا” في قطاع الهايتك الإسرائيلي. كثير منهم ببساطة لا يدركون كيف تسير الأمور فعلًا في هذا القطاع، والتي تبدو للموظفين المنتمين إلى هذا القطاع أمورًا بديهية. أجرى الباحثون مقابلات مع 30 شخصًا عربيًا، جميعهم أكاديميون حاصلون على درجة البكالوريوس أو أعلى في علوم الحاسوب والهندسة.
من أبرز ما ذكره المشاركون في المقابلات هو أنهم لم يكونوا على دراية بأن هناك علاقة بين مكانة المؤسسة التعليمية التي تخرجوا منها وفرصهم المستقبلية في العمل. لم يعلموا أن شركات التوظيف في قطاع الهايتك تفضل خريجي الجامعات. قال أحدهم: “فقط عندما أنهيت دراستي أدركت أن هناك الكثير من الشركات التي توظف فقط خريجي الجامعات ولا تقبل خريجي الكليات. لم يخبرني أحد بذلك من قبل”. مشارك آخر قال إنه فهم الأمر بعد فوات الأوان: “أنا أرسل سيرتي الذاتية طوال الوقت، لكنهم لا يردون عليّ. آخر مرة تمت دعوتي فيها لمقابلة عمل كانت قبل سنة ونصف. يرون أن شهادتي من كلية X، ويرفضونني فورًا”.
غالبًا ما يدرس الطلاب العرب في كليات أقل مكانة مقارنة بالجامعات، ومعظمها تقع في المناطق الطرفية بالقرب من أماكن سكنهم، ما يؤثر بشكل مباشر على تقييمهم في سوق العمل لاحقًا. عادةً ما يكون القبول في هذه الكليات أسهل، ومتطلباتها أقل فيما يتعلق بمهارات اللغة العبرية والإنجليزية. كما أضاف أحد المشاركين في المقابلات: “عندما بدأت دراستي، لم أكن أعرف الفروقات بين المؤسسات الأكاديمية. علامتي في البسيخومتري قادتني إلى كلية X [في المناطق الطرفية]، ولم أكن أدرك أن احتمال حصولي على مقابلات عمل سيكون منخفضًا جدًا. كنت أعتقد أن شهادة في هندسة الكهرباء والإلكترونيات ستفتح لي جميع الأبواب، لكن ذلك لم يحدث. لا يتمّ دعوتي لأي مقابلة عمل، بينما خريجو الجامعات مطلوبون جدًا”.
تقول ليفي: “هؤلاء الأشخاص خريجون بشهادات أكاديمية، حصلوا على درجات مرتفعة في المدرسة، ثم يدخلون سوق العمل ويبدؤون من الصفر. يرسلون سيرهم الذاتية لوظائف، كما كان يُفعل في الماضي، لكنهم يواجهون الكثير من الإخفاق. هناك العديد من المؤسسات التي تُعنى بالهايتك، وهي المصدر الوحيد لهم للحصول على المعرفة حول القطاع، ولكن في كثير من الأحيان يصلون إليها بعد أن يكونوا قد مروا بعدد كبير من الإخفاقات”.
“غير ماهرين في استخدام لينكدإن LinkedIn“
عائق آخر يتمثل في غياب توصيات العاملين في هذا القطاع References، أو بعبارة أخرى – شبكة العلاقات (Networking). العديد من فرص العمل في شركات الهايتك لا يتم الإعلان عنها بشكل علني، ويتم التوظيف فيها وفق نظام “صديق يجلب صديقًا” أو “الصاحب بجيب صاحبو”. أشار المشاركون في البحث إلى أنهم يفتقرون إلى شبكة اجتماعية قوية يمكن أن تزيد من فرصهم للإحالة إلى هذه الوظائف غير المعلنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب أشخاص في شبكاتهم الاجتماعية يمكنهم أن يشهدوا على مهاراتهم ويضمنوا أخلاقياتهم المهنية وشخصياتهم تؤثّر على قدرتهم على الإقناع وجعل الشركات تصدّقهم.
وفقًا لأحد المشاركين في البحث: “الأداة الأكثر فعالية للعثور على وظيفة هي التوصيات، وبسبب العدد الصغير نسبيًا للعرب في الهايتك، لدينا فرص أقل للتوصيات داخل مجتمعنا. حجم شبكة العلاقات يؤثر مباشرة على احتمالية الحصول على وظيفة، ومن الواضح أن لدى اليهود علاقات أكثر بكثير في هذا السياق”.
توضح روان كعبية أن أساليب البحث عن العمل المعتمدة على شبكة العلاقات لا تزال غير مستغلة بشكل كافٍ من قبل العرب. وتقول: “أغلب المشاركين الذين تحدثت معهم قالوا إنهم يعرفون منصة لينكدإن LinkedIn، لكنهم أقل خبرة في استخدامها – فهم لا يقومون بتحديث صفحاتهم الشخصية ولا يستخدمونها بطريقة تعود عليهم بفرص عمل”.
بحسب قولها: “يخرج الشباب والشابات العرب من الجامعة في سن صغيرة جدًا، دون خبرة عملية، ودون خدمة عسكرية أو مدنية. لم يمروا أبدًا بتجارب مثل اختبارات التقييم أو البسيخوتخني، وهي أمور يمر بها اليهود في الجيش في سن مبكرة. كثيرًا ما يبحث أصحاب العمل عن خبرة مكتسبة من الجيش، وهو شيء لا يمتلكونه. منذ البداية، لا يتمتع العرب بأولوية في الهايتك. ولكن يبدو أنهم ببساطة لا يعرفون ماذا يفعلون عند بدء البحث عن عمل – يرسلون سيرهم الذاتية عبر الطرق الرسمية، ولا يفهمون لماذا لا يتلقون ردودًا. برأيي، الأمر المهم هو عدم الاندفاع للدراسة مباشرة في سن 18 – يجب التطوع، أو محاولة العمل قليلاً، التعرف على الناس، وفهم كيف يعمل العالم، وبعدها فقط الالتحاق بالأكاديمية. هناك ضغط كبير من الأهل للتوجه إلى الدراسة، وكثيرًا ما يختارون تخصصًا دون أن يعرفوا عنه شيئًا، ودون أن يبحثوا بعمق كافٍ“.
العزلة عن الشبكات المهنية ترتبط أيضًا بغياب مرشد (Mentor) يمكنه مساعدتهم في خطواتهم الأولى. ظهر هذا الطرح بصيغ مختلفة في معظم المقابلات: “أخشى التقدم [لوظيفة في الهايتك]، ليس لدي خبرة في العمل، ولا أعرف حقًا كيف أفعل ذلك. لا يوجد لدي من أستشيره”.
وقال خريج آخر: “أحد الأمور التي أعاقتني، على سبيل المثال، هو أن سيرتي الذاتية لم تكن مكتوبة بالشكل الصحيح، ولم تكن ملائمة لوظائف الهايتك. لم يكن لدي من يساعدني أو من يراجع سيرتي الذاتية”.
المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker