في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد جماعة هيئة تحرير الشام وغيرها من الحركات المعارضة، شهدت الأسواق السورية طفرة في السلع المستوردة التي غابت عن الأرفف طوال سنوات الحرب الأهلية.
في دمشق، تحولت المحال التجارية إلى وجهة لعرض المنتجات الأجنبية التي كانت شبه معدومة أثناء الصراع، كما أكّد تقرير لصحيفة فايننشال تايمز. يجد المستهلك (القادر على الشراء) اليوم زجاجات المياه التركية، مكعبات مرقة الدجاج السعودية، الحليب المجفف اللبناني، وشوكولاتة العلامات التجارية الغربية مثل “تويكس” و”سنيكرز” تملأ الأرفف. بل إن بعض المتاجر خصصت جدرانًا كاملة لمنتجات مثل “برينغلز”، وهو مشهد غير مألوف بالنسبة للسوريين الذين اعتادوا على المنتجات المحلية فقط.
رفع القيود الاقتصادية وعودة المنتجات الأجنبية
في عهد الأسد، كانت الحكومة قد فرضت حظرًا صارمًا على استخدام العملات الأجنبية لتعزيز الليرة السورية وسط انهيار الاقتصاد بسبب الحرب، كما تم رفع الرسوم الجمركية إلى مستويات خيالية وصلت، على سبيل المثال، إلى 900 دولار على استيراد هاتف “آيفون” واحد. هذا الوضع أجبر السوريين على الاعتماد على المنتجات المحلية، بينما لجأ البعض إلى التهريب من لبنان للحصول على السلع التي لا تُنتج محليًا.
لكن مع تغيّر الحكومة وسيطرة هيئة تحرير الشام، تم السماح بإجراء المعاملات بالدولار، وأعلنت الحكومة الجديدة عن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة، ما أدى إلى تسهيل استيراد المواد الخام وحماية الصناعات المحلية. وقال وزير التجارة السوري، ماهر خليل الحسن، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية: “مهمتنا الآن هي إعادة ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد وخدمة المواطنين”.
تأثيرات اقتصادية فورية رغم سوء الأوضاع
مع رفع القيود، تدفقت السلع الأجنبية إلى المناطق السورية المختلفة، بدءًا من الشمال الغربي في إدلب وصولًا إلى باقي البلاد. أدى ذلك إلى عودة منتجات اعتبرها السوريون من الكماليات خلال الحرب، مثل الموز اللبناني الذي انخفض سعره بنسبة 20%، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفواكه المستوردة مثل الأناناس، التي أصبحت تكلفتها خمس ما كانت عليه سابقًا.
كما شهدت أسعار المنتجات المحلية انخفاضًا ملحوظًا. وأرجع الباعة ذلك إلى غياب عمليات الابتزاز التي كانت تُمارس عند نقاط التفتيش العسكرية خلال عهد الأسد، حيث كان الجنود يجبرون المزارعين على تسليم جزء من محاصيلهم كخاوة، وهو ما كان يجبرهم على رفع الأسعار لتعويض خسائرهم.
عودة المنتجات الأجنبية لم تقتصر فقط على السلع الغذائية الأساسية، بل شملت أيضًا علامات تجارية ارتبطت بذكريات الطفولة السورية، مثل جبنة “البقرة الضاحكة” الفرنسية. هذه العلامة التجارية، التي كانت جزءًا من وجبات الأطفال السوريين لأجيال، أثارت موجة من النكات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي. نشر أحد السوريين مقطع فيديو يظهر العبوة الشهيرة وعلّق قائلًا: “الأسد رحل، وعادت البقرة”.
رغم التفاؤل الذي أبداه البعض تجاه الانفتاح الاقتصادي، يظل الوضع الاقتصادي للسوريين هشًا. تأخرت الرواتب الحكومية، ويعاني أغلبية الشعب من مصاعب اقتصادية كبيرة تعيقهم من توفير قوت يومهم.
صرّح أحد بائعي الخضروات في سوق الشعلان بدمشق لصحيفة فاينانشل تايمز، إن السوق كان فارغًا صباح السبت بسبب قلة الإقبال وضعف القدرة الشرائية للمواطنين. ومع ذلك، أضاف: “أشعر بالأمان الآن. لم أعد مضطرًا للسير في الشوارع وأنا أترقب من سيلاحقني”.
مقالات ذات صلة: عشرات المليارات و200 طن من الذهب… بينما كان شعبه يموت جوعًا – جمع الأسد ثروات ضخمة