بهدوء تام، وبشكل شبه سري، صادقت الحكومة قبل بضعة أسابيع على “خطة استراتيجية لتعزيز اللغة العبرية بين متحدثي اللغة العربية”. هذا هو القرار الوحيد تقريبًا الذي اتخذته الحكومة الحالية لدعم المجتمع العربي في إسرائيل.
ربما يفسر ذلك سبب سعي الحكومة لإخفاء هذا القرار، ولماذا الوزراء الذين وقفوا خلفه – وزير التعليم يوآف كيش الذي بادر به، ووزيرة المساواة الاجتماعية ماي جولان التي اضطرت لدعمه على مضض – لم يتباهوا به. فبالنهاية، من الذي قد يرغب بالتفاخر باستثمار قدره 744 مليون شيكل على مدى ثلاث سنوات (رغم أن 72 مليونًا فقط منها هي ميزانية إضافية) في “أمر شنيع” كتعزيز المجتمع العربي؟
مع ذلك، فإن هذا قرار مهم وتستحق الحكومة التقدير عليه. تشير جميع الدراسات إلى أن أحد العوائق الأكثر أهمية أمام اندماج المواطنين العرب في سوق العمل هو حاجز اللغة، وهو مرتبط أيضًا بمعدلات الفقر المرتفعة بينهم. كثير من الشباب العرب لا يتحدثون العبرية، ومستواهم فيها ربما أقل من مستوى جيل آبائهم.
من المفارقات أن تقدم المجتمع العربي أدى إلى تراجع في إتقان العبرية: المدن العربية كبرت وتطورت، واليوم يمكن العمل والحصول على جميع الخدمات فيها دون الحاجة للسفر إلى المدينة اليهودية المجاورة. لم يعد الشباب العرب يستهلكون قناتين تلفزيونيتين، إسرائيلية وأردنية، بل يعتمدون على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يسمعون الإنجليزية (وقد تحسن اكتسابهم للإنجليزية) والعربية فقط.
وبالطبع، فإن نظام التعليم العربي المتعثر لم ينجح في سد الفجوة، رغم أن وزارة التربية والتعليم حاولت تعزيز ساعات تدريس اللغة العبرية. زيادة الساعات، مع معلمين ضعفاء ودون أهداف منظمة أو آليات قياس، لم تحقق النتائج المرجوة.
القرار الجديد يعيد توجيه الميزانيات التي كانت تُنفق على ساعات تدريس مهدورة إلى برنامج جديد لتدريس العبرية. يعتمد البرنامج على نموذج مأخوذ من دول أخرى، مع تحديد أهداف واضحة وقياس مدى تحقيقها، ويتضمن تغييرات في امتحانات البجروت باللغة العبرية.
الاستثمار الأكثر ربحية للدولة
تم بناء البرنامج الجديد لتعليم العبرية استنادًا بشكلٍ كبير إلى أبحاث الدكتورة مريان تحاوخو من معهد أهارون في جامعة رايخمان، التي كشفت العلاقة بين التراجع في إتقان اللغة العبرية وتراجع أهداف التوظيف لدى الشباب العرب. تدريس العبرية هو مجرد توصية واحدة ضمن الخطة الاستراتيجية الجديدة التي أعدها معهد أهارون، برئاسة البروفيسور تسفي إكشطاين، لتعزيز المجتمع العربي في إسرائيل. تعتمد الخطة على فهم رئيسي واحد: أن أعلى إمكانات النمو في إسرائيل تكمن في المجتمع العربي.
في العقد الأخير (2012–2022)، بلغ متوسط النمو السنوي في الدخل الفردي من العمل في المجتمع العربي 4% سنويًا، وهو أعلى بكثير مقارنة بأي شريحة أخرى من سكان البلاد، بما في ذلك اليهود غير الحريديم الذين نما دخلهم بنسبة 3% فقط. جاء هذا النمو السريع في الأجور نتيجة للتقدم الكبير الذي حققه المجتمع العربي، مع زيادة في معدلات التعليم، خصوصًا بين النساء، وزيادة في معدلات التوظيف، وأيضًا بشكل أساسي بين النساء. ونتيجة لذلك، ارتفعت حصة المجتمع العربي من الناتج المحلي الإجمالي من 8.2% إلى 10.3% خلال عقد واحد.
تُرجع تخاوخو هذا النمو السريع بشكل رئيسي إلى الحكومة، وإلى الجهود المبذولة لتعزيز المجتمع العربي من خلال خطتين خمسيتين تاريخيتين (القرار 922 الذي اتخذه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والقرار 550 الذي اتخذه رئيس الوزراء نفتالي بينيت). ركز القراران على تطوير رأس المال البشري العربي عبر تشجيع التعليم والانخراط في سوق العمل، وكانت النتائج واضحة: انخفضت معدلات الفقر، وصعدت تقريبًا جميع السلطات المحلية العربية في التصنيف الاقتصادي والاجتماعي. وكانت الدولة المستفيد الرئيسي من ذلك: المزيد من التعليم والعمل يعنيان زيادة في الإيرادات الضريبية وتقليل مدفوعات المخصصات، وبالطبع، زيادة في الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، فإن المجالات التي لم تُعالج في الخطتين الخماسيتين – مثل إتقان اللغة العبرية، ونظام التعليم المتعثر، وصعوبة الوصول إلى مراكز التوظيف، وضعف السلطات المحلية، وأزمة السكن، والتأخر الكبير في البنية التحتية – كانت لها تكلفة باهظة. فقد أدت الجريمة المتزايدة، والنسب المرتفعة للغاية من الشباب غير المنخرطين في العمل أو التعليم، والفساد في الحكم المحلي، إلى تقويض جزء كبير من الإنجازات. وحتى الآن، وبعد كل هذا النمو المتسارع، لا يزال الدخل الفردي في المجتمع العربي يمثل 44% فقط من الدخل في المجتمع اليهودي.
الحل أمام أعيننا
ما الحل إذًا؟ الحل، كما يبدو، موجود تقريبًا أمام أعيننا. يشير إكشطاين إلى الوضع المتفوق للعرب من سكان المدن المختلطة مقارنةً بسكان المدن العربية المنفصلة. نسبة الرجال الحاصلين على تعليم فوق الثانوي في المدن المختلطة تبلغ 36%، مقارنة بـ 25% في المدن المنفصلة. أما بين النساء، فتبلغ النسبة 56% في المدن المختلطة مقابل 39% في المدن المنفصلة. معدل توظيف النساء العربيات في المدن المختلطة يصل إلى 77%، مقابل 49% فقط في المدن المنفصلة.
في معهد أهارون، يُرجح أن هذه الفجوات الكبيرة ناتجة عن كون المدن المختلطة “مدنًا يهودية قوية”، تتمتع بميزانيات أكبر وإدارة ذات جودة أعلى. نظام التعليم فيها أكثر استثمارًا، وهناك وصول كامل إلى مصادر التوظيف، وبالطبع، إتقان كامل للغة العبرية.
هذا يوضح المجالات التي يجب الاستثمار فيها لتعزيز المجتمع العربي في إسرائيل: إخفاقات نظام التعليم، تحسين إتقان اللغة العبرية، سنة انتقالية للشباب، تسهيل الوصول إلى مصادر التوظيف، وتعزيز الحوكمة والإدارة المحلية.
الاستثمار في تحسين مستوى اللغة العبرية قد بدأ بالفعل، وفق نموذج خطة استراتيجية مهنية، تتضمن موارد ملائمة، أهدافًا واضحة، وآليات قياس لتحقيق الأهداف. البرنامج التالي الذي يسعى معهد أهارون لتعزيزه هو برنامج “سنة انتقالية”. ماذا نفعل مع الشاب العربي الذي ينهي 12 عامًا من الدراسة في نظام تعليمي متعثر ولا يجد شيئًا ينتظره في الخارج؟ فترات الانتقال الطبيعية الموجودة في المجتمع اليهودي – مثل السيمينار أو المدارس الدينية العليا لدى الحريديم، أو الجيش لدى بقية الفئات – غير موجودة في المجتمع العربي. وبما أن معظم خريجي الثانوية العرب لا يزالون غير قادرين على الاندماج في التعليم العالي، ولا يمتلكون الكثير ليقدموه لسوق العمل، فإنهم يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل ومعرضين لخطر الانخراط في الجريمة.
برامج “السنة الانتقالية”، التي تشمل دراسة اللغة العبرية، التدريب المهني، الإعداد لامتحان البسيخومتري، بالإضافة إلى التوجيه المهني والإرشاد نحو مجالات دراسة غير أكاديمية (مثل الكليات التكنولوجية)، يمكن أن تنقذ الشباب العربي، وتنقذ المجتمع العربي من موجات الجريمة التي تفتك به من الداخل. وإذا تحقق ذلك، فإنه لا حدود للانجازات الممكنة.
وفقًا لتحليل معهد أهارون، إذا تمكنوا فقط من تقليص الفجوة مقارنة بسكان المدن المختلطة، يمكن أن يصل معدل النمو السنوي في الدخل الفردي في المجتمع العربي إلى 4.4%. وإذا أُغلقت الفجوات مع المجتمع اليهودي، فسيصل إلى 4.7%.
من منظور الاقتصاد الكلي، فإن هذا يمثل قفزة هائلة لإسرائيل: سيزداد النمو الفردي في الدولة نتيجة لذلك بمقدار 0.8 نقطة مئوية سنويًا، وهو ضعف ما يمكن تحقيقه إذا قلّص الحريديم الفجوة مع اليهود غير الحريديم. وبالتالي، فإن إمكانات النمو الكامنة في المجتمع العربي هي الأعلى في إسرائيل. فقط يجب تحريرها. ولتحقيق ذلك، هناك حاجة إلى العديد من قرارات الحكومة، مثل القرار المتعلق بتعليم اللغة العبرية.
المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker