كيف يمكن لإدارة ترمب تحقيق هدف النمو؟

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
Donald J Trump
دونالد ترمب- من صفحته على فيسبوك

كان سكوت بيسنت المرشح لمنصب وزير الخزانة الأميركية محقا في التأكيد على النمو الاقتصادي الأسرع باعتباره محكا لنجاح رئاسة دونالد ترمب الثانية. فالنمو الأكثر قوة لا يعني ارتفاع الدخل ومستويات المعيشة فحسب ــ هذا بكل تأكيد الهدف الأساسي للسياسة الاقتصادية ــ بل ومن الممكن أيضا أن يقلل من عجز الميزانية الفيدرالية الأمريكية المتنامي ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويخفف من المقايضات الصعبة أحيانا بين الإنفاق الدفاعي، والاجتماعي، والتعليمي والبحثي.

لكن النمو الأسرع يجب أن يكون أكثر من مجرد أمنية. ويستلزم تحقيقه وضع أجندة منظمة بعناية، استنادا إلى إدراك القنوات التي يمكن من خلالها أن تعمل السياسات الاقتصادية على رفع أو خفض الناتج. في حين قد تؤدي السياسة الضريبية الداعمة للاستثمار إلى تعزيز تراكم رأس المال، والإنتاجية، والناتج المحلي الإجمالي، فقد يكون لارتفاع أسعار الفائدة نتيجة للتغييرات الممولة بالعجز في الضرائب أو الإنفاق تأثير عكسي. على نحو مماثل، بما أن نمو ساعات العمل يشكل أحد مكونات نمو الناتج أو الناتج المحلي الإجمالي، فينبغي للإدارة الجديدة أن تتجنب السياسات المناهضة للعمل والتي تعيق المشاركة الكاملة من جانب قوة العمل، فضلا عن التغييرات السلبية المفاجئة لضوابط الهجرة القانونية.

على الرغم من الإقرار بأن بعض التحولات في السياسات التي تزيد من الناتج ربما تؤثر سلبا على مجالات أخرى ذات أهمية اجتماعية (مثل توزيع الدخل) أو حتى الأمن القومي، فإن صناع السياسات ينبغي لهم أن يركزوا بشكل مباشر على زيادة الإنتاجية. تتمثل الركائز الثلاث لأي سياسة إنتاجية في دعم البحوث، والتدابير الضريبية المواتية للاستثمار، والتنظيم الأكثر كفاءة.

تعمل الأفكار على دفع آفاق الاقتصادات الحديثة. والبحوث الأساسية في العلوم والهندسة والطب تدعم الإبداع الذي يدفع عجلة التكنولوجيا، والتحسينات في تنظيم الأعمال، والمكاسب في الصحة والرفاهة. من المنطقي تماما أن تدعم الحكومة الفيدرالية مثل هذه الأبحاث. وبما أن الشركات الخاصة لا يمكنها الاستحواذ على جميع المكاسب من نفقاتها الخاصة على البحوث الأساسية، فإن الحوافز التي قد تدفعها إلى الاستثمار فيها أقل كثيرا. علاوة على ذلك، يُـنـتِـج الدعم الحكومي في هذا المجال تأثيرات غير مباشرة قيّمة، كما يتضح من نفقات وزارة الدفاع في وقت سابق على الأبحاث التي أصبحت محفزا للثورة الرقمية الحالية.

وعلى هذا فإن خفض الدعم الفيدرالي للبحوث الأساسية لا يتسق مع أجندة النمو. مع ذلك، يجب على صناع السياسات أن يعكفوا على مراجعة كيفية توزيع الأموال المخصصة للأبحاث لضمان الجدارة العلمية، كما ينبغي لهم تشجيع جرعة صحية من خوض المجازفات في تبني الأفكار الجديدة والباحثين الجدد.

بالإضافة إلى تشجيع تسويق التأثيرات غير المباشرة المترتبة على البحوث الأساسية وبرامج الدفاع، من شأن الدعم الفيدرالي لمراكز البحوث التطبيقية في مختلف أنحاء البلاد أن يعمل على التعجيل بنشر التكنولوجيات والأفكار الجديدة المعززة للإنتاجية. تميل مثل هذه المراكز أيضا إلى توزيع ازدهار الاقتصاد على نطاق أعرض، من خلال توسيع نطاق الوصول إلى الأفكار الجديدة ــ كما فعلت خدمات الإرشاد الزراعي والصناعي تاريخيا.

في التعامل مع الركيزة الثانية التي يستند إليها نمو الإنتاجية، ينبغي للإدارة أن تسعى إلى تمديد التدابير الداعمة للاستثمار في قانون التخفيضات الضريبية والوظائف الذي أقره ترمب في عام 2017. وفي حين تظل معدلات الضريبة على أرباح الشركات في قانون التخفيضات الضريبية والوظائف قائمة، فإن إعفاء الاستثمار في الأعمال ــ وهو أداة قوية لتعزيز تراكم رأس المال، والإنتاجية، والدخل ــ كان من المقرر إلغاؤه تدريجيا خلال الفترة 2023-2026. ومن الممكن استعادة هذا التدبير وجعلها دائمة بخفض الإنفاق على الاعتمادات بموجب قانون خفض التضخم، أو من خلال التراجع عن الإنفاق ــ مثل 175 مليار دولار لإعفاء قروض الطلاب ــ المرتبط بالأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.

1620px Donald Trump nominates Jerome Powell on November 2 2017 24291164288
ترمب مع جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي- المصدر: ويكيميديا

إذا كانت الإدارة الجديدة راغبة في الذهاب إلى أبعد من ذلك في السياسة الضريبية، فبوسعها أن تبني على مخطط الجمهوريين في مجلس النواب لعام 2016 للإصلاح الضريبي الذي حوّل نظام الضرائب المفروضة على الأعمال من ضريبة على الدخل إلى ضريبة على التدفق النقدي. ومن خلال السماح بالنفقات الفورية للاستثمار، ولكن ليس خصم الفوائد على الشركات غير المالية، فإن هذا الإصلاح من شأنه أن يحفز الاستثمار والنمو، ويزيل الحوافز الضريبية التي تحابي الديون على الأسهم، ويُـبَـسِّـط النظام الضريبي.

يقودنا هذا إلى الركيزة الثالثة التي تقوم عليها استراتيجية النمو الناجحة: التنظيم الفعال. المسألة ليست أكثر” مقابل “أقل”. المهم حقا للنمو هو كيف من الممكن أن تعمل التغييرات في التنظيم على تحسين آفاق النمو من خلال الإبداع، والاستثمار، وتخصيص رأس المال، مع التركيز في الوقت ذاته على المقايضات في المخاطر. يجب أن يبدأ أولئك الذين يصوغون الأجندة بأسئلة أساسية مثل: لماذا لا يمكننا تشييد بنية أساسية أفضل بسرعة أكبر؟ لماذا لا تكون أسواق رأس المال والإقراض المصرفي أكثر رشاقة؟ مثل هذه التساؤلات لا تحدد هدفا بعينه فحسب، بل تلزمنا أيضا بتحديد المقايضات.

ما يدعو إلى التفاؤل أن التنظيم المالي من المرجح أن يؤدي في ظل الإدارة الجديدة إلى تحسين تخصيص رأس المال وآفاق النمو، نظرا للتعيينات القيادية الـمُـعلَـنة بالفعل في لجنة الأوراق المالية والبورصات والاحتياطي الفيدرالي. ولكن يجب على صناع السياسات أيضا أن يعملوا على تحسين مناخ تشييد البنية الأساسية وتعزيز شبكات الكهرباء في البلاد لدعم مراكز البيانات اللازمة لتوظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي. وهذا يستلزم قدرا أكبر من التركيز على تحليل التكلفة والعائد على المستوى الفيدرالي، فضلا عن تحسين التنسيق مع السلطات على مستوى الولايات والمحليات بشأن التصاريح. ومن الممكن أن يكون استخدام برامج الدعم المالي الفيدرالية كأداة للترغيب أو الترهيب جزءا من هذه الاستراتيجية.

الواقع أن تركيز بيسنت على النمو الاقتصادي في محله. فمن خلال تحديد هدف طموح للنمو السنوي بنسبة 3%، قَـدَّمَ للإدارة الجديدة نجم الشمال الذي تستطيع أن تسترشد به في وضع سياساتها الاقتصادية.

 ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، يُنشَر بإذن خاص في وصلة.       

مقالات مختارة

Skip to content