شركة ديب سيك (DeepSeek) الصينية الناشئة قلبت أسواق التكنولوجيا رأسًا على عقب بعد إطلاق نموذجها الجديد للذكاء الاصطناعي 1R، الذي يتميز بتكلفة منخفضة واعتماده على رقائق أقل تقدمًا. هذا الابتكار لم يهدد فقط الشركات الأميركية الكبرى مثل إنفيديا ومايكروسوفت، بل أثار أيضًا شكوكًا عميقة حول استدامة الهيمنة الأميركية في هذا القطاع الحساس.

خسائر تريليونية في أسواق التكنولوجيا
تسبب إطلاق نموذج 1R في انخفاض العقود المستقبلية لمؤشر ناسداك 100 بنسبة 5.2%، وهو أكبر تراجع يومي منذ أغسطس. كما تراجعت العقود المستقبلية لمؤشر S&P 500 بنسبة 2.4%، وارتفع مؤشر التقلبات المعروف بـ”مؤشر الخوف” بنسبة 40%.
إنفيديا، التي تُعتبر رائدة في تصنيع الرقائق اللازمة للذكاء الاصطناعي، شهدت أسهمها انخفاضًا بأكثر من 11% في تداولات ما قبل افتتاح السوق. هذا التراجع قد يؤدي إلى محو أكثر من 140 مليار دولار من القيمة السوقية لإنفيديا وحدها إذا استمرت هذه الخسائر.
إذا استمرت هذه التراجعات، فإن مؤشري ناسداك 100 وستوكس 600 الأوروبي قد يفقدان حوالي 1.2 تريليون دولار من القيمة السوقية. على الجانب الآخر، ارتفعت أسهم الشركات الصينية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل Merit Interactive التي قفزت بالحد الأقصى اليومي.
كيف غيّر نموذج “ديب سيك” قواعد اللعبة؟
تم تطوير نموذج 1R بميزانية لا تتجاوز 6 ملايين دولار، مقارنة بمليارات الدولارات التي استثمرتها الشركات الأميركية الكبرى في هذا المجال. يعتمد النموذج على رقائق حوسبة أقل تقدمًا وتكلفة، مما يثير الشكوك حول جدوى الاستثمارات الضخمة التي اعتمدتها شركات مثل مايكروسوفت وأوبن إيه آي.
مارك أندريسن، المستثمر البارز، وصف النموذج بأنه “واحد من أعظم الإنجازات المدهشة”، مشيرًا إلى أن ديب سيك استطاعت تطوير نموذج ذكاء اصطناعي ينافس بفعالية نماذج مثل ChatGPT من أوبن إيه آي.
تسبب نموذج 1R في انخفاض أسهم شركات رئيسية في سلسلة التوريد الخاصة بالذكاء الاصطناعي. تراجعت أسهم ASM الهولندية لمعدات أشباه الموصلات بنسبة 12%، وأسهم برودكوم الأميركية بنسبة 11.7%، وأسهم مايكروسوفت بنسبة 5%. كما تأثرت شركات مراكز البيانات عالميًا بسبب الشكوك الجديدة حول الطلب المستقبلي على مكونات الذكاء الاصطناعي.
تحدي للهيمنة الأميركية
نجاح نموذج ديب سيك يهدد بتغيير المشهد التكنولوجي العالمي. أثبت النموذج أن تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي فعالة لم يعد يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات أو الاعتماد على رقائق متقدمة مثل تلك التي تنتجها إنفيديا.
القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير الرقائق المتقدمة للصين لم تمنع ديب سيك من استخدام تقنيات مفتوحة المصدر لتطوير نموذجها، مما يظهر أن الصين قادرة على تحقيق تقدم سريع في هذا المجال.
كيف بدأ كل شيء؟
تأسست ديب سيك في عام 2023 على يد رجل الأعمال الصيني ليانغ وينفينغ، الذي كان يعمل مديرًا لصندوق تحوط. بدأ ليانغ بشراء آلاف الرقائق من شركة إنفيديا عام 2021 بميزانية قدرها 10 ملايين دولار، ما أثار دهشة مجتمع التكنولوجيا حينها.
يُعرف ليانغ بتركيزه على البحث العلمي ومشاركته الشخصية في تطوير النماذج. تستخدم ديب سيك مواردها بشكل مكثف لدعم فرق البحث، حيث تُعد واحدة من أعلى الشركات دفعًا للرواتب لمهندسي الذكاء الاصطناعي في الصين.
الصين تدخل المنافسة بقوة
نجاح ديب سيك يعكس تحوّل الصين إلى منافس جدي في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الشركات الصينية تُظهر قدرة على تقديم تقنيات منافسة بأقل التكاليف.
شارور تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في “ساكسو ماركتس”، صرحت قائلة: “ظهور نموذج (ديب سيك) يذكرنا بأن الهيمنة الأميركية على الذكاء الاصطناعي ليست مضمونة. المنافسة تتصاعد بسرعة، وقد يكون المستقبل مليئًا بمفاجآت تهز عمالقة التكنولوجيا”.
مقالات ذات صلة: “ثورة جديدة”… كيف أصبح نموذج ذكاء اصطناعي من شركة صينية مغمورة حديث العالم؟