التجارة الحرة الخضراء في عصر سياسات الحماية

أيقون موقع وصلة Wasla
ما جون
رئيس معهد التمويل والاستدامة في بكين
1024px Signing Ceremony Phase One Trade Deal Between the U.S. China 49391630992
أثناء توقيع اتفاق تجاري بين الصين والولايات المتحدة عام 2020- المصدر: ويكيميديا

جاءت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من كندا والصين والمكسيك ــ التي يقول الآن إنها قد تُفرَض في الأول من فبراير/شباط ــ لتجعل العالم يترقب ارتباكات تجارية كبرى. وفي حين عادت سياسات الحماية إلى الرواج من جديد، وبدأت دول مثل الولايات المتحدة الأميركية ترعى القطاعات الـحَـرِجة في الداخل لتعزيز أمنها الاقتصادي، فإن انحسار التجارة الحرة سيتسارع في عهد ترمب، مع ما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى ــ وخاصة فيما يتصل بمكافحة تغير المناخ.

أمامنا طريق واضح ومباشر لإنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري: رعاية الصناعات الخضراء ــ التي لن تعمل على التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ فحسب، بل ستساعد أيضا في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل ــ وضمان إمكانية تداول إنتاجها على أوسع نطاق ممكن. والتجارة المفتوحة قادرة على تعزيز هذه الصناعات، والتقليل من تكاليف السلع والخدمات الخضراء في أغلب البلدان، وتسهيل تبني الممارسات والتكنولوجيات المنخفضة الكربون.

في وقت يتسم بتصاعد نزعة الحماية، تتطلب ملاحقة هذا المسار إنشاء ترتيبات خاصة للتجارة الحرة الخضراء تنطوي على تخفيضات حادة في الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تحول دون دخول السلع والخدمات التي تحقق فوائد بيئية ومناخية. وبما أن تصرفات اقتصاد واحد أو اثنين قد تتسبب في إغراق إطار عالمي حقيقي، فمن الممكن إنشاء ترتيبات متعددة أصغر حجما بواسطة “تحالفات الراغبين”.

ومن الممكن أن يؤدي استخدام الاتفاقيات التجارية الإقليمية القائمة كأساس للتجارة الخضراء إلى تسريع هذه العملية إلى حد كبير. لنتأمل هنا الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة ــ أكبر تكتل تجاري في العالم من حيث عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي ــ التي تضم أستراليا، والصين، واليابان، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، وبلدان “رابطة دول جنوب شرق آسيا” العشرة. الواقع أن العمل في إطار الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة قد يتيح إمكانية التوصل إلى الاتفاق ــ وتنفيذه بسرعة أكبر ــ على ترتيب للتجارة الحرة الخضراء يضم دولا تمثل مجتمعة 30% من النشاط الاقتصادي العالمي.

تتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الرؤية في استعراض واضح للفوائد الاقتصادية التي قد تخلفها اتفاقية التجارة الخضراء على جميع أعضاء ترتيبات مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. الواقع أن دراسة أولية، تستند إلى نموذج “التوازن العام القابل للحساب”، والتي أجراها معهد التمويل والاستدامة (الذي أترأسه) وشركاء آخرون، تفعل ذلك على وجه التحديد. توصلت دراستنا، التي سنقدمها في إطار مؤتمر يُـعـقَـد في هونج كونج في مارس/آذار، إلى أن ترتيبات التجارة الحرة الخضراء من الممكن أن تدعم اقتصادات الأعضاء (من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والصادرات، والوظائف، والإيرادات المالية)، وتعزز صناعاتهم الخضراء، وتحقق هدف إزالة الكربون بسرعة أكبر.

بعد ذلك، للمساعدة في التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ ومعالجة التدهور البيئي، يتعين على البلدان تحديد السلع والخدمات التي يجب أن يشملها ترتيب التجارة الحرة الخضراء. تشير دراستنا إلى أن هذه القائمة من الممكن أن تشمل بضع عشرات من الفئات وبضع مئات من المنتجات والخدمات، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية ومكوناتها، وإدارة النفايات، والزراعة المستدامة، والحلول القائمة على الطبيعة، والخدمات المهنية البيئية.

تتمثل أولوية ثالثة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية الخضراء وعمليات نقل التكنولوجيا، الأمر الذي يتطلب بيئة سياسات أكثر استقرارا، وتوفير سبل الحماية للمستثمرين، وتأمين حقوق الملكية الفكرية في التكتلات التجارية الإقليمية. من شأن ترتيبات التجارة الخضراء التي تضمن هذه الشروط أن تساعد البلدان الأدنى دخلا على وجه الخصوص على تطوير صناعاتها الخضراء وخلق الوظائف الخضراء. في إطار الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، على سبيل المثال، تستطيع الشركات الصينية، واليابانية، والكورية الجنوبية، التي تنتج على سبيل المثال المركبات الكهربائية أو الألواح الشمسية، منح تراخيص إنتاج تكنولوجياتها لمنتجين في بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا والاستثمار في بناء سلاسل التوريد الخضراء في المنطقة.

مثل هذه الترتيبات يجب أن تعالج أيضا الحواجز غير الجمركية، والتي قد تعيق التجارة والاستثمار حتى داخل مناطق التعريفة الجمركية المنخفضة أو المناطق التي لا تفرض أي رسوم جمركية. ويجب أن تبدأ ترتيبات التجارة الخضراء الناجحة بتحليل دقيق لكل الحواجز غير الجمركية، بما في ذلك تلك التي تنشأ عن حصص الاستيراد والتصدير، وعمليات مراقبة الجودة والتخليص الجمركي، ومتطلبات تتبع المنتجات، وتمويل التجارة وتأمين ائتمان الصادرات، وتسوية المدفوعات عبر الحدود. بعد ذلك ينبغي تنفيذ تدابير موجهة لخفض هذه الحواجز ــ على سبيل المثال، مواءمة معايير الجودة والتتبع عبر مناطق الاختصاص وخفض تكلفة تمويل التجارة بالاستعانة بأدوات التمويل الأخضر.

تشكل القيادة والحوار المفتوح ضرورة أساسية. وفي حالة الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، ينبغي للاقتصادات الأكبر حجما مثل أستراليا، والصين، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية أن تأخذ زمام المبادرة في تعزيز الإجماع، مع تسليط المناقشات الضوء على الفوائد الواسعة الانتشار التي سيعود بها هذا الترتيب على الجميع. وهذا النهج من شأنه أن يدعم “الانتقال العادل” إلى اقتصاد محايد مناخيا من خلال تسريع عملية إزالة الكربون في البلدان المشاركة، ودعم النمو وخلق فرص العمل في الصناعات الخضراء، وتعزيز الثقة المتبادلة التي تشكل ضرورة أساسية للتعاون الأوسع نطاقا بشأن قضايا المناخ والتجارة.

تزداد الـحجة لصالح ترتيبات التجارة الخضراء قوة عند مقارنتها بالنهج الذي تتبناه الاقتصادات المتقدمة. فبينما تستطيع آلية تعديل حدود الكربون (CBAM)، التي يفضلها الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وربما الولايات المتحدة الأمريكية، أن تقلل من “تسرب” الكربون من الواردات الـمُـنـتَـجَة في البلدان حيث القواعد التي تحكم الانبعاثات أكثر تساهلا، فإنها تضر بالدخل وتشغيل العمالة في الاقتصادات النامية المصدرة للسلع الكثيفة الكربون. كما أنها لا تفعل شيئا لتعزيز التعاون؛ بل على العكس، قد تؤدي مثل هذه التدابير الأحادية الجانب إلى الانتقام وبالتالي مزيد من تدابير الحماية.

عندما يتعلق الأمر بالحوافز، فإن آلية تعديل حدود الكربون ترقى إلى كونها “عصا” تعاقب البلدان النامية على عدم التضحية بالنمو والتنمية في الداخل في سبيل الحد من الانبعاثات. على النقيض من ذلك، تُـعَـد ترتيبات التجارة الحرة الخضراء “جزرة”: فهي تعمل من خلال مواءمة الأهداف المناخية مع أهداف التنمية على مكافأة الاقتصادات المشاركة على إحراز تقدم في التحول الأخضر. إنه حل مربح للجميع ــ وهذا هو على وجه التحديد النوع اللازم للتحول الأخضر العادل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي      

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، يُنشَر بإذن خاص في وصلة.

مقالات مختارة

Skip to content