
تواجه شركة إنتل (Intel)، إحدى أعرق شركات التكنولوجيا في العالم، مرحلة غير مسبوقة من عدم اليقين، مع تصاعد الحديث عن تفكيك محتمل لأصولها. وفي الوقت الذي بدأت فيه شركات تكنولوجيا عملاقة مثل تي إس إم سي (TSMC) التايوانية وبرودكوم (Broadcom) الأميركية بإبداء اهتمامها بشراء أجزاء من إنتل، يتساءل المحللون ما إذا كانت هذه الخطوة ستعيد الشركة إلى مسارها الصحيح أم أنها ستكون الفصل الأخير في تاريخها.
الصفقات المحتملة: بيع كامل أم جزئي؟
تشير التقارير إلى أن إنتل تدرس عدة خيارات للتعامل مع أزمتها الحالية. أبرز هذه الخيارات يتمثل في بيع قسم التصنيع الخاص بها لصالح تي إس إم سي، إحدى أكبر الشركات المصنعة لأشباه الموصلات في العالم، بينما تبحث برودكوم إمكانية الاستحواذ على قسم تصميم الشرائح والتسويق لدى إنتل.
بحسب صحيفة بلومبرغ ونيويورك تايمز، فإن المباحثات بين تي إس إم سي وإنتل في مراحل متقدمة، حيث تسعى الشركة التايوانية إلى شراء مصانع إنتل داخل الولايات المتحدة وربما في دول أخرى، بما في ذلك إسرائيل. أما برودكوم، فلا تزال في مراحل استكشافية، حيث تبحث عن شريك يتولى مسؤولية التصنيع بينما تستحوذ هي على الجانب التقني والتسويقي.
هذه الصفقات، إن تمت، ستكون بحاجة إلى موافقة السلطات الأميركية، خصوصًا في ظل حساسية قطاع أشباه الموصلات من الناحية الاستراتيجية. يُذكر أن هاورد لوتنيك، وزير التجارة المُعين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، يتابع التطورات عن كثب ويعتبر هذه المسألة أحد التحديات الرئيسية التي سيواجهها في منصبه.
لماذا فقدت إنتل مكانتها؟
عانت إنتل خلال العقدين الماضيين من عدة إخفاقات استراتيجية، كان أبرزها الفشل في اقتحام سوق الهواتف الذكية، ما أتاح الفرصة لشركات مثل كوالكوم (Qualcomm) وأبل (Apple) للهيمنة على هذا القطاع. كما أن دخولها المتأخر في مجال الذكاء الاصطناعي وضعها في منافسة صعبة مع إنفيديا (NVIDIA)، التي باتت المعيار الذهبي لصناعة معالجات الذكاء الاصطناعي.
في محاولة لإنقاذ الشركة، حاول الرئيس التنفيذي السابق بات غيلسنغر تنفيذ خطة تحويل إنتل إلى مصنع أشباه موصلات للغير، على غرار نموذج تي إس إم سي، بهدف جذب عملاء كبار مثل أبل وإنفيديا. غير أن هذه الاستراتيجية لم تحقق النجاح المطلوب، نظرًا للتكاليف العالية والضغوط المالية المتزايدة.
مع تراجع قيمة أسهمها وخسائرها المتراكمة، بدأ مجلس الإدارة في فقدان الثقة بإمكانات غيلسنغر، ما أدى إلى استقالته المفاجئة أواخر عام 2024، تاركًا الشركة في حالة من الضبابية.

التداعيات على إسرائيل
بحسب موقع كالكاليست، فإنّ إسرائيل تلعب دورًا رئيسيًا في إنتاج إنتل، حيث تضم منشآت استراتيجية، بما في ذلك مصنعها الضخم في كريات غات ومراكز البحث والتطوير المسؤولة عن تصميم معالجات الشركة. أي صفقة استحواذ على الشركة ستثير قلقًا بشأن التأثير على القوى العاملة، ومن المحتمل أن تتضمن عمليات تسريح وتخفيضات في أعداد الوظائف. ومع ذلك، نظرًا لحجم الاستثمارات التي ضختها إنتل في إسرائيل، فإن سيناريو التخلي الكامل عن وجودها هناك يبدو غير مرجح، إذ لا يزال المصنع والمختبرات البحثية يشكلان أصولًا حيوية في سلسلة التوريد العالمية.
الاستثمارات الهائلة التي أنفقتها إنتل على بناء وتطوير مصانعها في كريات غات تجعل من غير المحتمل أن تتوقف هذه العمليات بسهولة. بالنسبة إلى تي إس إم سي (TSMC)، التي تدرس الاستحواذ على وحدات التصنيع، فإن استمرار تشغيل هذه المنشآت قد يكون خيارًا منطقيًا لتعزيز قدراتها الإنتاجية. ولكن في حال قررت الشركة التايوانية أن هذه المرافق لا تتناسب مع خططها، فقد تسعى إلى تصفيتها أو بيعها لشركة أخرى. مثل هذا القرار قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة في إسرائيل، بالنظر إلى الأثر الاقتصادي الكبير الذي تتركه إنتل على السوق المحلي.
أما بالنسبة لأنشطة البحث والتطوير، فإن مستقبلها يبدو أكثر استقرارًا مقارنة بعمليات التصنيع. فقد رسّخت إسرائيل نفسها كمركز عالمي لتطوير أشباه الموصلات، حيث تستثمر شركات كبرى مثل أبل (Apple) وإنفيديا (NVIDIA) بكثافة في البحث والتطوير هناك. كما أن برودكوم (Broadcom)، التي تملك بالفعل مراكز أبحاث كبيرة في إسرائيل، قد تكون مهتمة بتوسيع وجودها عبر الاستفادة من خبرة المهندسين الإسرائيليين المتخصصين في تصميم الشرائح. هذا يجعل من غير المرجح أن يتم التخلي عن أنشطة البحث والتطوير، بل قد يتم تعزيزها كجزء من استراتيجية طويلة الأجل لتحسين الابتكار التكنولوجي في الشركة المستحوذة.
مقالات ذات صلة: ضمن خطة الشركة لخفض عدد الموظفين عالميًا… موجة التسريح في ميتا تصل إلى البلاد