“الممر التجاري الهندي الأوروبي”: تطبيع لإسرائيل، خسائر لمصر، تهجير لغزة، ومواجهة للصين

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طرح مشروع “الممر الهندي الأوروبي” IMEC، وهو مشروع يهدف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، مرورًا بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، قبل الوصول إلى القارة الأوروبية ومنها إلى أميركا. المشروع الذي تبلغ تكلفته 16 مليار دولار يستهدف تقليل الاعتماد على قناة السويس كمعبر رئيسي للتجارة بين آسيا وأوروبا، ويهدف إلى تحسين كفاءة النقل وخفض التكاليف وزيادة سرعة نقل البضائع بنسبة 40%، وفقًا لتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين.

يركز المشروع على استثمارات ضخمة في البنية التحتية، تشمل بناء خطوط سكك حديدية متطورة، وموانئ جديدة، وكابلات اتصالات تحت سطح البحر، فضلاً عن بنية تحتية لنقل الطاقة. تأتي هذه الخطوة في ظل التحديات التي تواجه التجارة البحرية عبر قناة السويس بسبب تصاعد هجمات الحوثيين على سفن الشحن، ما دفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل آمنة وفعالة. كذلك، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل عبر هذا المشروع إلى تقليل نفوذ الصين في المنطقة، ومواجهة مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين لتعزيز سيطرتها على البنية التحتية العالمية.

President Donald Trump and Prime Minister Narendra Modi at the White House in Washington DC
أثناء اللقاء الأخير بين الرئيسين الأمريكي والهندي – المصدر: ويكيميديا

انعكاسات اقتصادية وأضرار محتملة لقناة السويس

يعد المشروع منافسًا مباشرًا لقناة السويس، التي تعد إحدى أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر عبرها 12% من التجارة العالمية، و8% من الغاز الطبيعي المسال، وما بين 7 و10% من النفط العالمي. وفقًا لدراسة لمركز “تشاتام هاوس”، فإن الطريق الجديد سيوفر خيارًا أقل تكلفة، حيث يمكن أن يخفض تكاليف الشحن بنسبة 30% مقارنة بالعبور عبر قناة السويس، رغم التحديات التي قد تواجهه من حيث تكاليف النقل البري واللوجستيات المعقدة.

أحد الفروق الجوهرية بين الممر الجديد وقناة السويس هو القدرة الاستيعابية، إذ تستطيع السفن العابرة للقناة نقل 15 ألف حاوية دفعة واحدة، بينما لا يمكن للقطارات البرية نقل أكثر من 150 حاوية في المرة الواحدة، ما قد يجعل المشروع أقل كفاءة من حيث الحجم، لكنه يوفر ميزة تقليل زمن العبور بين الهند وأوروبا بحوالي 6 إلى 8 أيام مقارنة بالممر البحري عبر السويس.

للحد من التأثيرات السلبية لهذا المشروع، بدأت الحكومة المصرية في تطوير قناة السويس عبر مشروع ازدواج القناة في القطاع الجنوبي بطول 10 كيلومترات، بتكلفة بلغت 9 مليارات جنيه مصري. وتهدف هذه التوسعة إلى تحسين كفاءة الملاحة وزيادة قدرتها الاستيعابية بنسبة 28%، وفق تصريحات رئيس الهيئة أسامة ربيع.

دور إسرائيل والمكاسب الاقتصادية المتوقعة

تحقق إسرائيل مكاسب اقتصادية كبيرة من المشروع، إذ سيكون بمثابة قناة تجارية بديلة تمر عبر أراضيها، مما يعزز دورها كمركز لوجستي إقليمي. وتطمح إسرائيل كذللك في أن يساهم في تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الخليج، وسيمثل خطوة عملية نحو تطبيع اقتصادي أوسع نطاقًا، بربط الاقتصاد الإسرائيلي بالهند وإيطاليا عبر موانئ وطرق برية وسكك حديدية متطورة.

تلعب الإمارات دورًا أساسيًا في هذا المشروع، حيث واصلت تجهيز بنيتها التحتية لتكون مركزًا رئيسيًا لنقل البضائع ضمن الشبكة التجارية الجديدة. رغم أن بعض الدول العربية لا تزال مترددة بشأن المشروع بسبب الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان، إلا أن الهند اعتبرته “أولوية استراتيجية”، وتسعى إلى تنفيذ خططها دون تراجع.

1430850d e5d3 4d0a 95a1 c4c858b08704
المسارات المحتملة للمشروع- المصدر: ويكيميديا

ما علاقة المشروع بغزة؟

يثير الممر الجديد مخاوف متزايدة بشأن تداعياته السياسية، خاصة فيما يتعلق بغزة، حيث يُتوقع أن يمر جزء من الطريق عبر شمال القطاع، ما يعزز الشكوك حول وجود دوافع اقتصادية وراء محاولات إسرائيل لتهجير السكان قسرًا خلال عدوانها الأخير.

تشير بعض التقديرات إلى أن 30% من عائدات الممر الجديد قد تعود إلى ميناء غزة، ما يفسر حرص إسرائيل على السيطرة عليه. يعتقد بعض المحللين أن ترمب، الذي دعا إلى تهجير الفلسطينيين إلى دول عربية، ربما يرى في المشروع فرصة اقتصادية تتجاوز البعد السياسي.

التحديات والعقبات أمام تنفيذ المشروع

رغم المزايا الاقتصادية التي يروج لها المشروع، إلا أن تنفيذه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها تعقيدات النقل البري، حيث يتطلب نقل البضائع عبر عدة دول القيام بعمليات تفريغ وتحميل متكررة، ما يؤدي إلى إبطاء حركة الشحن وزيادة التكاليف اللوجستية.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز قضايا أمنية قد تعرقل المشروع، مثل الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة، والتوترات الإسرائيلية مع بعض دول الشرق الأوسط، والهجمات الحوثية المحتملة، ما قد يؤثر على حركة التجارة. كما أن المشروع قد يواجه مقاومة من القوى الاقتصادية المنافسة مثل الصين (خصوصًا عبر مبادرة الحزام والطريق) وروسيا وإيران وتركيا، التي ترى فيه تهديدًا لنفوذها التجاري والاستراتيجي.

مقالات ذات صلة: لمنافسة قناة السويس وتحقيق هيمنة في قطاع الطاقة… إسرائيل تسعى لربط خطوط النفط مع السعودية

مقالات مختارة