“لولا الشركات العالمية لما دخل العرب مجال الهايتك في إسرائيل”

في العقد الأخير، قفزت نسبة العرب الحاصلين على لقب أول في التخصصات التكنولوجية إلى 15%، لكن الحرب ونقص الوظائف المخصصة للملتحقين الجدد يهددان هذا التوجه الإيجابي. ■ ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك: "إذا لم ننجح الآن، سنعود 20 عامًا إلى الوراء."
أيقون موقع وصلة Wasla
روتي ليڤي
The Marker
طالبات في الجامعة العبرية، في القدس. "لا يوجد توظيف للملتحقين الجدد، وهذا يؤثر بشكل خاص على العرب". تصوير: أوليفييه فيتوسي.
طالبات في الجامعة العبرية، في القدس. "لا يوجد توظيف للملتحقين الجدد، وهذا يؤثر بشكل خاص على العرب".تصوير: أوليفييه فيتوسي.
طالبات في الجامعة العبرية، في القدس. “لا يوجد توظيف للملتحقين الجدد، وهذا يؤثر بشكل خاص على العرب”. تصوير: أوليڤيا بيتوسي

شيء كبير وقع في العقد الأخير. قطاع الهايتك، الذي كان حتى وقت قريب مغلقاً بالكامل تقريباً، بدأ ينفتح أيضاً أمام العرب. لا يزال تمثيل العرب في وظائف البحث والتطوير منخفضاً، إذ يبلغ 2.5% فقط، وهو رقم بعيد عن التمثيل العادل للسكان الذين يشكلون نحو 21% من مواطني الدولة، لكنه يمثل قفزة كبيرة مقارنة بمشاركتهم الضئيلة في العقود السابقة.

نتيجة لهذا التوجه الإيجابي، يتجه الشباب العرب إلى دراسة التخصصات التكنولوجية بأعداد غير مسبوقة. على سبيل المثال، تضاعفت نسبة الطلاب العرب في اللقب الأول في هندسة الحاسوب بل وأكثر، حيث ارتفعت من 12% عام 2015 إلى 27% في عام 2023. وتشير البيانات إلى اتجاه مماثل في مجالات مثل نظم المعلومات والهندسة الطبية الحيوية والكيمياء. أما في هندسة الكهرباء والإلكترونيات، التي تعد من أبرز المجالات للاندماج في قطاع الهايتك، فقد ارتفعت نسبة الطلاب العرب من 7% عام 2015 إلى 18% في عام 2023، بينما في علم الحاسوب ارتفعت من 8% إلى 14%. في المقابل، تراجعت نسبة الطلاب العرب في تخصصات الرياضيات والإحصاء خلال الفترة نفسها من 21% إلى 10% فقط.

عند النظر إلى نسبة الطلاب العرب من إجمالي طلاب اللقب الأول في التخصصات المرتبطة بالهايتك، نجد أنها اقتربت من 15% في العام الدراسي الذي بدأ في 2023، مقارنة بحوالي 7.5% في عام 2015.

لم تحدث هذه الثورة بالصدفة، بل تشكلت تدريجياً بفضل ضغط من منظمات المجتمع المدني، وبرامج حكومية، وتأثير خارجي من شركات الهايتك العالمية التي أدخلت معها معايير جديدة. “لو لم تصل الشركات العالمية إلى إسرائيل، لما كان هناك عرب في قطاع الهايتك”، تقول ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك، التي تعمل على دمج العرب في قطاع الهايتك.

شركات مثل إنتل، مايكروسوفت، وغوغل جلبت إلى إسرائيل ثقافة عمل مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في السابق. لقد كسرت هذه الشركات دوائر التوظيف التقليدية من خلال عدم الاعتماد على خريجي الوحدات التكنولوجية في الجيش، وعدم ارتباطها بالصناعات الأمنية، وعدم العمل وفق مبدأ “صديق يجلب صديقاً”، الذي كان يحدّ من فرص المرشحين خارج الشبكات الاجتماعية اليهودية. وبهذا، أتاحوا اندماجاً أوسع وأكثر تنوعاً، بما في ذلك للعرب.

“في الماضي، كان الناس يدرسون الرياضيات لأنهم كانوا يقولون لأنفسهم: ‘أنا ذكي، لذا سأكون معلماً للرياضيات'”، تقول ميسم جلجولي. “أما اليوم، فيقولون: ‘سأدرس الهندسة وسأصبح مهندساً’، لأنهم يرون أن الآخرين ينجحون”. الوعي بوجود آفاق وظيفية دفع مزيداً من الطلاب إلى هذه المجالات، حتى وإن لم يكونوا جميعاً في نقطة انطلاق متساوية.

خريجو الجامعات المرموقة يتمتعون بفرص أكبر للحصول على وظائف، في حين يواجه خريجو الكليات عقبات كبيرة. “نحن نشعر بذلك بشكل واضح”، توضح جلجولي. “نعمل بالأساس مع الشركات الدولية، وهذه الشركات أقل استعداداً للتنازل عن معاييرها فيما يتعلق بمؤسسة التعليم. أما الشركات الإسرائيلية، التي تمنح فرصاً لخريجي الكليات، فهي لا تتبنى نهج التنوع نفسه عندما يتعلق الأمر بالعرب”.

تدعم الأرقام أيضاً ما تقوله جلجولي. اختيار مجال الدراسة يتأثر بشكل كبير بالفجوات في الأجور بين الخريجين العرب وبقية السكان. تشير بيانات عام 2022 إلى أن خريجي الرياضيات والإحصاء العرب يكسبون في المتوسط أقل بنسبة 56% مقارنة ببقية السكان، في حين أن خريجي هندسة الحاسوب يواجهون فجوة أصغر بكثير تبلغ 8%. كما توجد فجوات أيضاً في علوم الحاسوب (14%-) وفي هندسة الكهرباء والإلكترونيات (21%-).

تعكس هذه الأرقام متوسط الأجور خلال السنوات الخمس الأولى بعد التخرج، لكنها تشمل أيضاً خريجين لم يجدوا عملاً في مجالات تخصصهم، ما يعني أن الفجوات قد تعكس ليس فقط انخفاض الأجور، بل أيضاً صعوبة الاندماج في سوق العمل وإيجاد وظيفة تتناسب مع المؤهلات.

اختيار مؤسسة التعليم ليس عشوائيًا. يدرس 60% من الطلاب العرب في مجالات الهندسة والعلوم الدقيقة في الجامعات، مع تركيز واضح على المؤسسات التعليمية في الشمال، نظرًا لقربها الجغرافي من أماكن سكنهم. من بين نحو 9,500 طالب عربي درسوا التخصصات ذات الصلة في عام 2023، اختار حوالي 2,130 منهم (22%) معهد التخنيون، وهو أكثر المؤسسات استقطابًا للطلاب العرب في البلاد. يليه الكلية الاكاديمية للهندسة براودة، التي تضم 1,085 طالبًا عربيًا (11%)، ثم جامعة حيفا بـ1,020 طالبًا عربيًا (11%).

جميع البيانات الواردة في المقال مستندة إلى لوحة معلومات ديناميكية (dashboard) أُطلقت هذا الشهر بالتعاون بين وزارة العمل، وسلطة الابتكار، ومجموعة SFI. توفر هذه الأداة صورة محدثة عن اندماج المجتمع العربي في قطاع الصناعات المتقدمة، إلى جانب توجهات أوسع في مجال رأس المال البشري في التكنولوجيا والعلوم. يتضمن مصدر البيانات، الذي يتم تحديثه بشكل مستمر، معلومات رسمية حول التعليم، والتعليم الأكاديمي، ودراسات الهندسة التطبيقية، والتوظيف، والأجور، مع إمكانية التصنيف وفقًا للمنطقة الجغرافية، والجنس، ومجال الدراسة.

تتخصص مجموعة SFI في البحث وتوفير المعلومات لقياس فاعلية الخدمات الاجتماعية، وقد تم تطوير هذه الأداة الجديدة لدعم صياغة سياسات مستنيرة وتعزيز اندماج أكثر مساواة للمجتمع العربي في قطاعات الهايتك والعلوم.

حرب الملتحقين الجدد

وفقًا لما تقوله ميسم جلجولي، فإن الثورة التي قادها الطلاب العرب في قطاع الهايتك كان يُفترض أن تصل الآن إلى مرحلتها التالية، لكنها تواجه تعثرًا. عدد الشباب العرب الذين يدرسون التخصصات التكنولوجية في ازدياد، لكن العديد منهم يواجهون صعوبة في العثور على أول وظيفة لهم. كما أن التوتر السياسي والاجتماعي الناجم عن الحرب ينعكس أيضًا على قطاع الهايتك.

أظهر استطلاع أجرته مؤسسة تسوفن عبر معهد الأبحاث “ناس” في بداية الحرب أن 44% من المهندسين العرب يخشون الذهاب إلى أماكن عملهم، وأكثر من 30% يخشون التحدث بالعربية هناك. كما ذكر أكثر من ربع المشاركين أن علاقتهم بزملائهم اليهود تدهورت، فيما تراجع معدل المهندسين العرب الذين يصفون علاقتهم بزملائهم اليهود بالجيدة من 77% إلى 48%. “لا يدعونني لشرب القهوة في الصباح، ويتوقفون عن الحديث عندما أدخل”، قال أحد المشاركين في الاستطلاع. “طوال الوقت يطلبون مني أن أشرح مواقف وأفعال وتصرفات حماس أو أن أدينها”.

ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك: "لقد قطعنا شوطًا كبيرًا، ومن المخيف التفكير في أن كل ذلك قد ينهار".تصوير: أور كابلان.
ميسم جلجولي، المديرة العامة لمؤسسة تسوفن تشبيك: “لقد قطعنا شوطًا كبيرًا، ومن المخيف التفكير في أن كل ذلك قد ينهار”. تصوير: أور كابلان.

معظم المهندسين العرب لا يشعرون بالقلق بشأن مكانتهم المهنية، لكن بالنسبة لمن يحاولون دخول سوق العمل، فإن التحدي أصبح أصعب من أي وقت مضى. يشكل غياب الوظائف الأولية (جونيور) عائقًا كبيرًا أمام جميع خريجي التخصصات التكنولوجية، لكن الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة للعرب، بسبب الجمود في التوظيف وتصاعد التمييز غير المعلن الذي تفاقم إثر الحرب.

مشكلة الملتحقين الجدد ليست جديدة، لكنها تفاقمت بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين. وفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات “تصڤيران”، فإن نسبة الموظفين ذوي الخبرة المحدودة (جونيورز) من إجمالي التعيينات في الوظائف التكنولوجية كانت 30% عام 2022، لكنها تراجعت إلى 20% فقط في عام 2024، بينما ارتفعت نسبة الموظفي ذوي الخبرة (السينيورز) من 35% إلى 41%. بمعنى آخر، تفضل الشركات اليوم الموظفين الأكثر خبرة، مما يقلّص فرص الخريجين الجدد في دخول المجال.

“لا يوجد توظيف للملتحقين الجدد”، تؤكد ميسم جلجولي، “وهذا يؤثر بشكل خاص على العرب، حيث إن معظمهم يشكلون الجيل الأول في عائلاتهم الذي يحصل على تعليم عالٍ. عندما لا يجدون عملاً لمدة عامين، يرى الجيل التالي ذلك ويقول لنفسه: ربما من الأفضل دراسة الصيدلة”. تحذر جلجولي من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى فقدان كل التقدم الذي تحقق في السنوات الأخيرة. “لقد قطعنا شوطًا كبيرًا، ومن المخيف التفكير في أن كل ذلك قد ينهار”.

في النهاية، تبرز اللغة أيضًا كعائق إضافي أمام الملتحقين الجدد. رسميًا، يُطلب من كل طالب في الجامعات الإسرائيلية أن يمتلك مستوى عالٍ من العبرية، لكن الواقع مختلف تمامًا، على الأقل فيما يتعلق بمهارات المحادثة. “لقد فوجئت”، تقول ميسم جلجولي. “اتضح أنه حتى في الجامعة، بالكاد يحتاج الطلاب إلى التحدث. لا توجد روابط اجتماعية بين اليهود والعرب، ولا يوجد تفاعل طبيعي يجبرهم على إجراء محادثات، وأحيانًا حتى مجموعات الواتس آب تكون منفصلة”.

وتضيف: “في مؤسسة تسوفن تشبيك، علينا سد الفجوة التي لا تعالجها الجامعات – تعليم كيفية إدارة محادثة في الممر، اجتياز مقابلة عمل، الوقوف أمام الجمهور وتقديم عرض. في بعض الأحيان، يكون الحل للتغلب على هذه العقبة هو محاولة طلب إجراء المقابلة باللغة الإنجليزية”.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker

مقالات مختارة

Skip to content