
تواجه غزة دمارًا غير مسبوق في التاريخ الحديث، حيث تشير التقارير الحديثة الصادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي إلى أن تكلفة إعادة إعمار القطاع ستتجاوز 53 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، منها 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى فقط. هذا التقدير أتى ضمن تقييم أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، ويعكس حجم الكارثة التي حلت بالبنية التحتية والقطاعات الأساسية للحياة بعد 15 شهرًا من الحرب. في المقابل، قدرت دراسة لمؤسسة راند الأميركية تكلفة الإعمار بأكثر من 80 مليار دولار، فيما ستبلغ تكلفة إزالة الأنقاض وحدها 700 مليون دولار، مما يبرز حجم الدمار الذي تعرضت له غزة نتيجة الحرب.
تشمل عملية إعادة الإعمار إصلاح وإعادة بناء قطاعات رئيسية تعتمد عليها الحياة اليومية في غزة، بدءًا من البنية التحتية الأساسية مثل شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ووصولًا إلى إعادة تأهيل الطرق والجسور والمواصلات العامة. كما تشمل إعادة بناء المنازل والمباني المتضررة، وإعادة إعمار المرافق الصحية التي تضررت بشكل كارثي، إذ لم يتبقَّ سوى 18 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل جزئيًا وبقدرة استيعابية لا تتجاوز 1800 سرير. القطاع التعليمي تعرض هو الآخر لخسائر هائلة، حيث تضررت 496 مدرسة، أي ما يقرب من 88% من إجمالي المؤسسات التعليمية، فيما تعرضت 396 مدرسة لقصف مباشر، ما يعكس عمق الأزمة التي تواجه مستقبل التعليم في غزة.
لم تكن المساحات الزراعية بمعزل عن هذا الدمار، إذ تعرض 68% من الأراضي الزراعية في القطاع للضرر، ما يعادل 103 كيلومترات مربعة. في بعض المناطق مثل شمال غزة، بلغت نسبة الأراضي المتضررة 79%، وفي رفح 57%. كما تضررت البنية التحتية الزراعية بشكل شبه كلي، بما في ذلك أنظمة الريّ، مزارع المواشي، البساتين، الآلات الزراعية، ومرافق التخزين، حيث تراوحت نسبة الأضرار بين 80% و96% وفق تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية. هذه الخسائر الكبيرة في القطاع الزراعي تهدد الأمن الغذائي في غزة وتفاقم من أزمة المعيشة، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع معدلات الفقر.
أما شبكة الطرق، فقد تعرضت هي الأخرى لدمار واسع، حيث تضرر 68% من إجمالي شبكة الطرق، ودُمر ما مجموعه 1190 كيلومترًا من الطرق الحيوية التي تربط مناطق القطاع ببعضها، ما يزيد من صعوبة نقل المساعدات الإنسانية ويعيق جهود إعادة الإعمار. هذا الدمار يعكس عمق الكارثة التي حلت بغزة، حيث لم تسلم أي زاوية في القطاع من التدمير، سواء كان ذلك في البنية التحتية أو المرافق الأساسية أو القطاعات الإنتاجية، ما يجعل عملية إعادة الإعمار تحديًا هائلًا يتطلب التزامات مالية ضخمة وجهودًا دولية مكثفة.
في ظل هذه الأوضاع، تبدو السنوات المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل غزة، حيث لا تقتصر الاحتياجات على إعادة بناء ما دُمر فحسب، بل تمتد إلى تطهير المناطق من الذخائر غير المنفجرة، وإعادة تأهيل الخدمات الحكومية، وتحفيز القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة لإعادة تشغيل الاقتصاد المحلي. حجم الأضرار غير المسبوق يجعل أي خطة إعمار مهمة شاقة ومعقدة، إذ تتطلب توفير التمويل والاستثمارات والبنية التحتية اللازمة لضمان استدامة المشاريع التنموية، إضافة إلى توفير الدعم الفوري للمجتمعات المتضررة التي فقدت منازلها ومصادر دخلها. وبينما تبقى غزة رهينة الأوضاع السياسية والأمنية المتقلبة، فإن حجم الاحتياجات يفرض تحديًا على المجتمع الدولي، الذي يجد نفسه أمام مسؤولية كبرى في إعادة إعمار القطاع وإنقاذ سكانه من مستقبل مجهول.
مقالات ذات صلة: القنابل الأمريكية التي دمرت غزة… إسرائيل تستلم 1800 قنبلة وزن الواحدة منها يقارب الطن