مستشرقو الـ AI: الصورة النمطية للذكاء الاصطناعي عن الثقافة العربية

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
IMG 20241219 WA0054 e1735303392583
الدكتورة هامة أبو كشك

أطلق ثلاثة باحثين، بينهم باحثان عربيان، دراسة متعمقة لاستكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على تمثيل الثقافة العربية، حيث تعمق الباحثون في المسألة، بدلًا من الاكتفاء بانتقاد التقنية، فاتجهوا إلى تحليل التأثير الغربي على تمثيل الثقافة العربية من خلال التحيزات المدمجة في نماذج الذكاء الاصطناعي، وذلك نتيجة أن معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية تمّ إنشاؤها بالغرب، وغُذّيت ببيانات تحمل بالأصل تحيّزات ضد الثقافات الأخرى، أنتجها “رجالٌ بيض”.

يقود البحث كل من الدكتورة هامة أبو كشك ومايك دهان، المحاضران البارزان في الكلية الأكاديمية سابير لشؤون الشراكة والتنوع، إلى جانب عبدالله غَرَّة، المهندس والباحث المساعد في كلية علوم الحاسوب بجامعة تل أبيب. الدراسة، التي تحمل عنوان “الذكاء الاصطناعي: أاستشراق جديد؟”، تستلهم تحليلها من كتاب “الاستشراق” للمفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد، الذي حلّل في كتابه الشهير النظرة الغربية إلى الشرق، وكيف تختزله في صور نمطية ومحدودة، ترسّخ تصورات متحيزة تُستَخدَم للسيطرة السياسية والثقافية.

في حوارٍ سابقٍ مع وصلة، تحدثت الدكتورة هامة عن تفاصيل هذا البحث قائلة: “تساءلنا عما إذا كانت مولدات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT ومولدات الصور بالذكاء الاصطناعي، تعكس قوالب نمطية أو تمثل استشراقًا جديدًا في العالم الرقمي. صمّمنا تجربة شملت إنشاء عشر شخصيات متنوعة من الشرق والغرب، مع اختلافات في النوع الاجتماعي والمجال المهني. زوّدنا هذه الشخصيات بمجموعة من الأسئلة المنظمة التي تغطي مواضيع مثل العرق، والدين، والثقافة، وقضايا اجتماعية أخرى. جمعنا ما يقارب 5000 سؤال وإجابة، ثم قمنا بتحليلها باستخدام نموذج Perspective لقياس مستوى السُمّية (Toxicity) في التفاعلات. لاحظنا تباينًا كبيرًا في مستوى السُمّية، حيث كانت الإجابات التي تتعلق بالشخصيات العربية أكثر سُمّية مقارنة بتلك التي تتعلق بالشخصيات الغربية”.

وأضافت الدكتورة هامة: “كما أجرينا تحليلًا بصريًا على 100 صورة تم إنشاؤها بواسطة مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي بناءً على مطالبات تتعلق بمواضيع غربية وشرقية. أظهرت النتائج وجود عناصر استشراقية واضحة وتحيزات ثقافية في الصور المرتبطة بالثقافة الشرقية، ما يعكس التحيز المضمر في النماذج”.

وهذا ما نلحظه عند الطلب من نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة رسم صورة للعربيّ كما تتخيله، إذ تظهر النتائج أن هذه النماذج غالبًا ما تصور الشخصيات العربية ببشرة داكنة جدًا، بملابس تقليدية قديمة، خلفيات صحراوية أو قروية، مع تعبيرات وجه غاضبة أو حزينة تغيب عنها ملامح الحيوية والشباب.

5ca0f4f3 ea2b 4863 b5a4 d73b17f1de53
شخصية عربية مصنوعة بواسطة GROK، الخاص بإكس، وهي إحدى 4 صور أنتجها تُظهِر جميعها خلفية صحراويّة جرداء، وتحصر الملابس العربية بالحطة والعقال

تشير هذه النتائج إلى مشكلات جوهرية في كيفية تشكيل أنظمة الذكاء الاصطناعي لصورة الثقافة العربية، ما يثير تساؤلات أوسع حول العلاقات بين التكنولوجيا، القوى السياسية، والفجوات الاقتصادية والثقافية. فمن المعروف أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم اليوم في العديد من الأنظمة، بما في ذلك أنظمة التعرف على الوجوه المستخدمة في الشرطة والجيش، وأدوات تصنيف المتقدمين للوظائف، وحتى أنظمة تحديد الأهلية للحصول على القروض. عندما تقوم هذه الأنظمة بإعادة إنتاج صور متحيزة عن جماعة معينة، فإنها لا تقتصر على التشويه الثقافي فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى ترسيخ الفجوات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.

لكن رغم هذه المخاوف، تؤكد الدكتورة هامة أبو كشك أن الدراسة لا تهدف إلى معارضة الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل القيام بنقدٍ بناء تجاهه، وكما قالت في حوارها مع وصلة: “علينا ألا نتردد في أخذ زمام المبادرة وتوجيه تطور الذكاء الاصطناعي نحو مستقبل أكثر عدلاً، حيث يتم تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص. إن دورنا كمجتمعات ليس فقط الاستفادة من هذه التكنولوجيا، بل أيضًا التأكد من أنها تعمل لصالح الجميع، دون تحيزات أو تمييز”.

مقالات ذات صلة: تحيّزات ضدّ الشخصيّة العربيّة وصور نمطيّة | رغم الإنجازات الهائلة… جوانب مظلمة لا تعرفونها عن الذكاء الاصطناعي

مقالات مختارة