من HAAT إلى SALA: كيف نجحت تطبيقات عربية محلية في تحدي العملاق Wolt?

بسبب العمولات المخفضة، المنافسة على توصيل الطعام في المدن العربية تنجح في الضغط حتى على وولت. من رهط إلى الناصرة، هناك على الأقل ثلاث تطبيقات توصيل مُكيّفة لاحتياجات المجتمع العربي الفريدة، مثل غياب العناوين الدقيقة وأسماء الشوارع في المجتمع العربي والحاجة للدفع نقدًا، ما يحدّ من هيمنة Wolt.
أيقون موقع وصلة Wasla
ميداء ابراهيم زعبي ومحمد زرعيني
332957999 602976877892962 8408997856961873891 n
خدمة التوصيل من HAAT. يمكن طلب الطعام دون عنوان دقيق / الصورة: صفحة HAAT على انستغرام

Wolt، تطبيق التوصيل الفنلندي الناجح، اتخذ خطوة مثيرة للجدل الشهر الماضي عندما رفع الأسعار التي يفرضها على زبائنه للمرة الثانية خلال عامين. فقد زاد العمولة المفروضة على كل طلب إلى مبلغ قد يصل إلى 5.90 شيكل، وذلك بالإضافة إلى رسوم التوصيل التي يتحملها الزبون والعمولة المرتفعة من المطاعم.

هذه الخطوة، التي أثارت احتجاجات أصحاب المطاعم والمستخدمين، ذكّرت الجميع بأن Wolt تهيمن منذ فترة طويلة على سوق توصيل الطعام في المدن الكبرى في البلاد، لا سيما في معقلها الرئيسي – مدن منطقة المركز وعلى رأسها تل-أبيب.

في حين تواجه Wolt في أوروبا منافسة قوية من تطبيقات رائدة مثل Just Eat، Deliveroo، وUber Eats، فإنها تكاد تكون بلا منافسة في إسرائيل، حيث أن المنصتين المتنافستين ظاهريًا، “تن-بيس”” و”سيبوس”، تخدمان بشكل أساسي الشركات وموظفيها وليس المستهلك الفردي. أما في قطاع توصيل منتجات السوبر ماركت، فتواجه Wolt بعض المنافسة من Yango Deli، وQuik، وmishloha، لكن لا يزال هذا السوق محدودًا.

ومن المتوقع أن تفحص سلطة المنافسة ما إذا كان الإعفاء الأصلي الذي حصلت عليه Wolt من القيود التنافسية في مجال توصيل الطعام والمنتجات الصيدلانية لا يزال صالحًا، وذلك بعد إفلاس منافسين مثل AVO وQuik.

لكن إذا نظرنا بعيدًا عن غوش دان تظهر لنا صورة مختلفة. ففي المدن العربية، تواجه Wolt منافسة شرسة، لا يستطيع سكان تل أبيب، جفعاتايم أو هرتسليا إلا أن يحلموا بها. هناك ما لا يقل عن ثلاث تطبيقات لتوصيل الطعام والسلع من محلات السوبر ماركت تعمل في جزء كبير من المدن العربية، حيث تدور معركة حقيقية على الأسواق في الناصرة، أم الفحم، ورهط.

هذا الفارق ينعكس في جيوب المستهلكين والمطاعم أيضًا: فالتطبيقات التي أُنشئت من قبل رواد أعمال من المجتمع العربي، مثل هات HAAT من أم الفحم وسلّة SALA من شفاعمرو، والتي أصبحت شائعة بشكل خاص في الناصرة، وسخنين، والطيبة، وكذلك في مدن المثلث، توفر عمولات أقل وأسعارًا أكثر تنافسية.

فعلى سبيل المثال، تدفع المطاعم في المدن العربية عمولة بنسبة 18% لكل طلب عبر HAAT، بينما تدفع للمنافسين الجدد مثل SALA عمولة لا تتجاوز 15%. أما التطبيق المحلي TiraEat، الذي يخدم مدينة الطيرة والمناطق المحيطة بها، فيفرض عمولة تتراوح بين 8% و10% فقط على الأعمال التي تعمل معه بشكل حصري.

رسوم التوصيل في هذه التطبيقات قد تتغير بناء على عدد من التفاصيل، ولكن عندما لا يُطلب من المطعم دفع ما يقرب من ثلث سعر الطلب مقابل التوصيل، كما هو الحال في وسط البلاد، يمكنه تحمل بيع الأطباق بأسعار أكثر تنافسية.

لكن Wolt لم تبقَ مكتوفة الأيدي. فقد قامت بتكييف أسعارها مع الساحة التنافسية في الناصرة ورهط، حيث اتفقت مع المطاعم على إطلاق عروض بعمولات تتراوح بين 20% و24%، مقارنةً بالحد الأدنى البالغ 27% قبل ضريبة القيمة المضافة في تل أبيب، أو 32% بعد هذه الضريبة.

قد تكون رسوم التوصيل في Wolt تنافسية مقارنةً بتلك التي تفرضها SALA وHAAT، حيث تُعتبر الأخيرة الأغلى بين الثلاثة بسبب قدرتها على التوصيل لمسافات طويلة. ومع ذلك، فإن HAAT وSALA لا تفرضان على الزبائن “رسوم تشغيل”، وهي الرسوم الإضافية التي بدأت Wolt بفرضها منذ عام 2023.

من جهتها، تروج Wolt لبرنامجها الجديد “Wolt Plus”، الذي يتيح للمستخدمين دفع 49 شيكلًا شهريًا مقابل عدد غير محدود من التوصيلات – وهو عرض جيد لمن يطلبون الطعام مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا.

Wolters portest in Israel 02
Wolt لم تبقَ مكتوفة الأيدي. فقد قامت بتكييف أسعارها مع الساحة التنافسية في الناصرة ورهط- الصورة: ويكيميديا

رواد أعمال محليون

تأسست HAAT في عام 2020، بعد نحو عامين من دخول Wolt إلى إسرائيل، والتي ركزت بشكل أساسي على غوش دان والمناطق المحيطة بها. مؤسسو HAAT، الدكتور حسن عباسي وعلي أيوب، اللذان عملا سابقًا في شركات كبرى مثل جوجل، إنتل، وإنفيديا، قررا معالجة مشكلة واجهتها العديد من المطاعم في المجتمع العربي عند محاولة تقديم خدمة التوصيل إلى المنازل: غياب أرقام المنازل، نقص أسماء الشوارع، عدم توفر الدفع النقدي، والحاجة إلى خدمة هاتفية يجريها موظفون بشريون بدل النظام الآلي.

قام المؤسسان بتطوير خوارزميات ساعدت السائقين على التنقل بسهولة، كما أقنعا آلاف الشركات بأهمية الاستثمار في قوائم طعام رقمية وحضور إلكتروني عبر الإنترنت لزيادة المبيعات. وفقًا لموقع IVC، نجحت HAAT في جمع 15 مليون دولار من مستثمرين بارزين مثل إيال فالدمان (مؤسس Mellanox)، وجيجي ليفي، والسير رونالد كوهين، وعدد من المستثمرين الأفراد الآخرين، وهو مبلغ متواضع نسبيًا مقارنة بمئات الملايين من الدولارات التي جمعتها تطبيقات التوصيل الكبرى في مراحل مشابهة.

لكن Wolt لم تبقَ مكتوفة الأيدي. فقد قامت بتكييف أسعارها مع الساحة التنافسية في الناصرة ورهط، حيث اتفقت مع المطاعم على إطلاق عروض بعمولات تتراوح بين 20% و24%، مقارنةً بالحد الأدنى البالغ 27% قبل ضريبة القيمة المضافة في تل أبيب، أو 32% بعد هذه الضريبة.

خلال أربع سنوات، تحولت HAAT من نموذج تجريبي Pilot شملت 300 طلب شهريًا إلى إمبراطورية توصيل تنفذ أكثر من 4 ملايين طلب سنويًا، مع انتشارها في 40 بلدة ومدينة، معظمها عربية أو مختلطة. تخدم الشركة 3,000 مطعم وتوظف حوالي 250 موظفًا.

لكن HAAT لم تبقَ وحدها في الساحة، إذ استقطبت نجاحاتها منافسين جدد. في يناير 2024، دخلت Wolt إلى الناصرة بتطبيق ومركز دعم باللغة العربية، إلى جانب عروض إطلاق قوية وحملة إعلانية ضخمة عبر اللوحات الإعلانية في الشوارع. لاحقًا، توسعت Wolt إلى بلدات أخرى، من بينها القدس وكفر قاسم، بينما تركزت المواجهة الأساسية بينها وبين HAAT في مدن مثل الناصرة ورهط. وأصبحت Wolt خيارًا مفضلًا للموصلين في المدن العربية الذين كانوا يبحثون عن فرص عمل جديدة ونموذج تشغيل مرن.

قبل ذلك، دخلت السوق منافِسة جديدة، وهي تطبيق SALA (سلّة)، الذي تأسس في شفاعمرو عام 2022 على يد رائد الأعمال علي سمنية. تقدم الشركة رسوم توصيل وعمولات أقل للمطاعم، وتعتمد على موصلين محليين يعرفون المنطقة جيدًا.

محمد بدر، مدير في شبكة المشهداوي كينج ستور المعروفة، يشير إلى أن الشبكة اختارت العمل مع جميع شركات التوصيل الناشطة في السوق – HAAT وWolt، وSALA، إلى جانب موصلين أفراد مُستقلين. ويضيف: “نريد أن نكون متاحين لجميع الزبائن، بغض النظر عن التطبيق الذي يفضلونه”.

ويؤكد بدر أن قطاع التوصيل شهد تحولًا جذريًا منذ جائحة كورونا في عام 2020، مع تغيّر أنماط الاستهلاك والتطور السريع للخدمات. ويضيف: “نلاحظ اختلافات إقليمية مثيرة للاهتمام – حيث تظل HAAT اللاعب المهيمن، بينما تشهد الناصرة تنافسًا شديدًا بين الشركات المختلفة”.

“الثورة تصل إلى الشمال”

في عام 2023، تلقت HAAT ضربة قاسية: خططها للتوسع إلى المغرب، الأردن، السعودية، ومناطق السلطة الفلسطينية اصطدمت بعقبة بسبب تصنيفها كشركة إسرائيلية. ومع ذلك، وفّرت الحرب أيضًا فرصة للشركة، حيث أفادت عن نجاح ملحوظ في مدن تعرضت للقصف مثل عكا، حيث نمت خدمات توصيل السوبر ماركت التابعة لها بسرعة.

حسن عباسي، مدير ومؤسس شركة HAAT، فيوضح كيف نشأت هيمنة لاعب واحد خارج المدن العربية: “معظم رواد الأعمال يتجهون إلى مجالات مثل الأمن السيبراني، الحوسبة السحابية، والتقنيات التي تخدم الشركات بدلاً من المستهلك النهائي. لذلك، عندما يدخل لاعب دولي متطور، لا يجد أمامه منافسًا محليًا حقيقيًا”.

حسن عباسي- مدير ومؤسس شركة هات- الصورة: Haat
حسن عباسي- مدير ومؤسس شركة هات- مصدر الصورة: HAAT

لم يعد نشاط Haat يقتصر على المدن العربية أو المختلطة منذ فترة، حيث أصبحت نشطة أيضًا في مدن مثل العفولة، كرميئيل، نوف هجليل، وكوخاف يائير. وتعتبر نفسها تطبيقًا عامًا على مستوى البلاد، مع طموحات توسعية ورغبة في دخول المزيد من المدن الكبرى.

هل تقترب HAAT من تل أبيب، وهل يمكنها كسر هيمنة Wolt؟ حسن عباسي، الذي وسّع نشاط Haat إلى حيفا خلال الأشهر الأخيرة، يوضح: “يمكننا الدخول إلى الأماكن التي نشعر فيها بالراحة وتكون مجدية اقتصاديًا. الثورة تصل حاليًا إلى الشمال، وستحدث ببطء، لكنها في النهاية ستصل إلى أي مكان يُطلب منا فيه الوجود”.

*يُنشر هذا التقرير بالتعاون مع موقع وصلة وموقع جلوبس وجمعية إعلام- المركز العربي للحريات الإعلامية في إطار دورة تأهيل للصحافة الاقتصادية.

مقالات مختارة

Skip to content