
من المعروف لسكان الناصرة وللمجتمع العربي بأسره أن بلدية الناصرة تمر بأزمة غير مسبوقة خلال الأشهر الأخيرة، دون أي بوادر لتحسن الأوضاع. في أغسطس 2024، توقفت البلدية عن دفع رواتب موظفيها، ما دفعهم إلى الاحتجاج. بالإضافة إلى ذلك، تعطلت عمليات جمع النفايات عدة مرات، مما حول شوارع المدينة إلى بؤر للنفايات المتراكمة أو لمواقع لحرقها. مشهد الشوارع الملوثة يعد محرجًا بشكل خاص لمدينة ذات أهمية تاريخية، اجتماعية، وسياحية كبيرة.
بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، لم يتمكن رئيس البلدية، علي سلام، من تشكيل ائتلاف بلدي. في البداية، بدا أن اتفاقًا مع القائمة العربية الموحدة كان مسألة وقت فقط، وبالفعل تم توقيع اتفاق، لكنه لم يستمر طويلًا. تدهورت أوضاع البلدية إلى حد عدم قدرتها على دفع الرواتب، حتى لنواب رئيس البلدية.
في نوفمبر 2024، فرضت وزارة الداخلية على بلدية الناصرة خطة إنعاش مالي، التي استندت بشكل أساسي إلى رفع نسبة ضريبة الأرنونا. ومع ذلك، لم يتمكن علي سلام من تمرير الخطة في مجلس البلدية، حيث واجهت معارضة واسعة. جاء ذلك بالتزامن مع حملات إعلامية، عرائض أُرسلت إلى وزارة الداخلية وجهات أخرى، معظمها بقيادة كتلة الجبهة، احتجاجًا على تراكم النفايات، فشل البلدية في تقديم الخدمات، محاولات رفع الأرنونا، وعدم دفع رواتب الموظفين.
في يناير 2025، عيّنت وزارة الداخلية لجنة لفحص أوضاع المدينة. التقت اللجنة بأعضاء المجلس وبعض الموظفين، ودرست الوضع المالي للبلدية، وقامت بجولة ميدانية في المدينة. يترأس اللجنة الدكتور شوكي أمراني، المدير العام السابق لوزارة الداخلية وخبير في الإدارة العامة، وتضم أيضًا المحامية نيلي سوركار إيريز، المتخصصة في القانون الإداري والإدارة المحلية، وموشيه غيلتسر، الخبير في الإدارة المالية للسلطات المحلية وعمليات الإنعاش الاقتصادي.
إخفاقات إدارية ومالية جوهرية
قبل نحو أسبوعين، نشرت اللجنة المكلفة تقريرًا شديد اللهجة، أوصت فيه بإقالة رئيس بلدية الناصرة وأعضاء المجلس البلدي، وذلك بعد أقل من عام على إعادة انتخاب علي سلام لولاية جديدة. الآن، ينتظر سكان الناصرة قرار وزير الداخلية – هل سيتبنى توصية اللجنة ويقوم بحل إدارة البلدية، الإعلان عن انتخابات مبكرة، أم سيكتفي بتعيين لجنة معينة؟
كشف تقرير اللجنة عن سلسلة من الإخفاقات الإدارية والمالية الجوهرية في بلدية الناصرة، والتي تشير إلى فشل منهجي في إدارتها. أحد أبرز الاستنتاجات هو غياب هيكل تنظيمي واضح، حيث بقيت مناصب رئيسية مثل المدير العام للبلدية، أمين الصندوق، ومدير الموارد البشرية شاغرة لفترات طويلة، في ظل تدخل مباشر ومستمر لرئيس البلدية في صلاحيات الموظفين، ما أثر على كفاءة الإدارة واتخاذ القرارات. كما كشف التقرير عن تجاوزات خطيرة في سياسة التوظيف، حيث أظهر أن تعيين الموظفين، تحديد رواتبهم وشروط عملهم، يتم دون وجود لوائح واضحة، إلى جانب تأخير مستمر في دفع الرواتب منذ أغسطس 2024.
في مجال ترخيص الأعمال، كشف التقرير أن نسبة كبيرة من المحلات التجارية في الناصرة تعمل بدون تراخيص قانونية، نتيجة غياب الرقابة واتباع سياسة متعمدة تمنع تطبيق القانون، مما أدى إلى تدهور مستوى النظافة العامة في المدينة. ونتيجة لذلك، قررت وزارة الداخلية نقل مسؤولية الإشراف على هذا المجال إلى اتحاد مدن “أشكول الجليل” بقيادة نوف هجليل.
على الصعيد الاقتصادي، أشار التقرير إلى أن بلدية الناصرة تعاني من أزمة مالية حادة بسبب سوء الإدارة وغياب الشفافية، حيث تفاقم العجز المالي بنسبة 350% على الرغم من تلقي دعم حكومي. كما كشف التقرير عن تباينات كبيرة في التقارير المالية، وعدم اتخاذ إجراءات فعالة لتحصيل ديون الأرنونا. بشكل عام، يرسم التقرير صورة لإدارة مهملة وفاشلة، أدت إلى تفاقم الأزمة المالية والخدماتية في البلدية، ما أثّر بشكل خطير على قدرتها على أداء وظائفها الأساسية.
رفض علي سلام التعليق على التقرير بشكل شخصي، إلا أن البلدية ألقت باللوم على كتلة الجبهة والقائمة الموحدة، متهمة إياهما بالمسؤولية عن “انهيار البلدية وإفشال رئيسها”. وادّعت البلدية أنها تعاني من ركود اقتصادي لأكثر من أربع سنوات بسبب جائحة كورونا والحرب، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة لم تتمكن من تجاوزها.

كما جاء في بيان البلدية، أن رئيس البلدية وكتلة “ناصرتي” عملوا على استقرار الأوضاع، ونجحوا في رفع نسبة جباية الضرائب، وتسوية دفع الرواتب المتأخرة، وحل أزمة النفايات، وإجراء تخفيضات واسعة، لكن كل هذه الجهود لم تكن كافية بسبب معارضة الأحزاب الأخرى، التي حاولت بكل وسعها إفشال البلدية.
كما زعمت البلدية أن علي سلام حاول مرارًا وتكرارًا دمج كتلة الجبهة والقائمة الموحدة في الائتلاف البلدي، لكن محاولاته باءت بالفشل، لأن كتلة الجبهة والقائمة الموحدة رفضتا جميع خطط الإنعاش المالي المقترحة. وبشأن توصية اللجنة، أكدت البلدية أنها “تضر بالائتلاف والمعارضة معًا، ولا تخدم مصلحة الناصرة”، مشددة على أن “أهالي الناصرة يستحقون إدارة شؤونهم بأنفسهم”.
في الناصرة، هناك إجماع شبه كامل على رفض تعيين لجنة معينة لإدارة البلدية. فإلى جانب رفض البلدية وكتلة “ناصرتي”، تعارضها أيضًا القائمة الموحدة، التي دعت إلى “مواجهة محلية مسؤولة للأزمة”، مؤكدة أن تعيين لجنة خارجية يمس بإرادة الناخبين. وجاء في بيان القائمة الموحدة: “الناصرة ليست مجرد مدينة، بل هي القلب النابض للمجتمع العربي في الداخل، برمزيتها التاريخية ومكانتها الوطنية، وحماية إرادتها وقيادتها المستقلة هي مسؤولية جماعية لا يمكن التنازل عنها”. كما دعت إلى انعقاد فوري لمجلس البلدية من أجل توحيد الجهود والعمل على ما وصفته بـ”إصلاح حقيقي”.
كتلة الجبهة، التي تمثل المعارضة في بلدية الناصرة، رفضت أيضًا فكرة تعيين لجنة معينة، لكنها دعت إلى إجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن، مؤكدة أن “القرار يشكل اعترافًا من وزارة الداخلية بفشل (علي سلام) في إدارة شؤون بلدية الناصرة”. كانت كتلة الجبهة قد طالبت علي سلام بالاستقالة قبل عدة أشهر، مشيرة إلى أن “أزمة البلدية كانت أكبر من أن يتم التهرب منها أو التغلب عليها”. وأوضحت أن هدف المطالبة بالاستقالة كان منع تعيين لجنة معينة وإعادة القرار إلى الناخب النصراوي، والتوصية الحالية بإقالة رئيس البلدية تؤكد صحة موقفها”. ويبدو أن هذا الموقف يلقى دعمًا واسعًا بين السكان: في استطلاع أُجري في الناصرة في أوائل ديسمبر 2024، خلال ذروة أزمة النفايات وتأخير دفع الرواتب، أيد 87% من المشاركين استقالة رئيس البلدية.

“إحدى أسباب فشل البلدية في السنوات الأخيرة هو أن إدارتها كانت بعيدة تمامًا عن المهنية. لم تعمل البلدية كهيئة تتكون من أقسام مختلفة، لكل منها مهامه المحددة، بل كأنها شركة خاصة يتحكم فيها رئيس البلدية وله صلاحية التدخل والتوقيع على جميع القرارات”، يوضح موظف في بلدية الناصرة فضل عدم الكشف عن هويته. ويضيف: “ما أقوله ليس جديدًا ولا مفاجئًا، فهذا بالضبط ما أكده تقرير اللجنة التي عينتها وزارة الداخلية. الأجواء داخل بلدية الناصرة بعيدة كل البعد عن المهنية، إذ يبدو الأمر وكأنه رئيس أو ملك يدير مشروعه الخاص، دون أي اعتبار لعدد الموظفين الذين يتقاضون رواتب دون أن يعملوا لصالح البلدية، إلى جانب العديد من الأمور الأخرى.”
المرشح لرئاسة بلدية الناصرة في الانتخابات الأخيرة، المهندس شريف زعبي، رئيس كتلة الجبهة، قاد مع كتلته حملة للمطالبة بوضع خطة إنعاش مهنيّة للمدينة، كما مارس الضغط على الوزارات الحكومية المختلفة بسبب أزمة النفايات. يؤكد زعبي أيضًا أن تعيين لجنة معينة سيكون كارثيًا على السكان، قائلاً: “لدينا أمثلة في الطيبة، يركا، ومدن أخرى. هذه اللجان أثبتت فشلها الذريع، على الأقل في المجتمع العربي، والناصرة لا تستطيع تحمل فشل آخر الآن. وزارة الداخلية ساعدت علي سلام في الفوز بالانتخابات الأخيرة عندما لم تعيّن له محاسبًا مرافقًا قبل الانتخابات، والآن عليهم تحمل المسؤولية وإعادة القرار للناخب. دعوا أهالي الناصرة يقررون، خاصة وأن الانتخابات السابقة حُسمت بفارق ضئيل.”
كما أوصت اللجنة، كما هو معلوم، بإقالة أعضاء مجلس البلدية أيضًا، وجاء في توصيتها: “بالنسبة لأعضاء مجلس البلدية، تدرك اللجنة أنهم يشغلون مناصبهم منذ فترة قصيرة، ولكن بسبب سلوكهم خلال هذه الفترة، وخصوصًا معارضتهم المستمرة لخطة الإنعاش التي أعدتها وزارة الداخلية، ورفضهم المصادقة على ميزانية متوازنة لعام 2024 كما يقتضي القانون، فإنهم غير قادرين على أداء مهامهم”.
قال شريف زعبي: “هذه الخطوة (خطة الإنعاش) لم تكن مناسبة، وهي غير واقعية. منذ الانتخابات، عمل أعضاء البلدية بشكل مهني، وقدمت كتلة الجبهة خطة إنعاش بديلة، وكذلك فعلت كتلة القائمة الموحدة. منذ اليوم الأول، عرضنا على رئيس البلدية تشكيل ائتلاف واسع، لكنه تجاهلنا. الخطة التي صوتنا ضدها عدة مرات كانت خطة إنعاش تمس جيوب السكان، من خلال رفع ضريبة الأرنونا. اقترحنا خطة بديلة تجعل عمل البلدية أكثر كفاءة، وترفع نسبة الجباية بدلاً من رفع نسبة الضريبة”. وأضاف: “لم يكن هناك داعٍ لإقالة أعضاء مجلس البلدية، لأنهم لم تكن لديهم أي قدرة على التأثير على القرارات. وصول البلدية إلى هذا الوضع هو نتيجة تدهور مستمر، وليس فقط بسبب الفترة التي تلت الانتخابات. لا يمكن أن يدفع سكان الناصرة الثمن الآن”.
“المدينة تدفع ثمن سياسة الإهمال”
المعارضة لتعيين لجنة معينة في الناصرة لا تقتصر على الشارع النصراوي فحسب، بل تمتد إلى المجتمع العربي بأكمله. فقد أعرب رؤساء السلطات المحلية العربية عن دعمهم لعلي سلام، ونشرت اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية عريضة انتقدت بشدة توصية اللجنة. وقع على العريضة 51 رئيس سلطة محلية، حيث عبروا عن رفضهم للتوصية، وأكدوا أن للناصرة مكانة خاصة ثقافيًا، تربويًا، واجتماعيًا، ما يستوجب دعمًا حكوميًا جادًا لمساعدتها على الخروج من أزمتها. وجاء في العريضة: “المدينة تدفع الثمن بسبب سياسة الإهمال”، مضيفة أن “اللجنة رأت أنه من المناسب حل المجلس البلدي وإقالة رئيس البلدية، رغم أن مثل هذه الخطوة لم تُتخذ في مدن يهودية واجهت أزمات مماثلة”.
المدير العام للجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، المحامي أمير بشارات، ألقى باللوم على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وعلى سياسة الحكومة تجاه بلدية الناصرة وسلطات محلية عربية أخرى. وأكد بشارات أن التخفيض المستمر في الميزانيات ساهم في الوصول إلى هذا الوضع، مضيفًا: “من المتوقع أن تنهار سلطات محلية عربية أخرى في المستقبل القريب إذا لم تغيّر الحكومة سياستها”. من جانبه، أشاد علي سلام بموقف لجنة رؤساء السلطات المحلية.
أحد الناشطين في الناصرة، الذي فضّل أيضًا عدم الكشف عن هويته، علّق قائلاً: “لا يمكن تلخيص كل ما ورد في التقرير عن التجاوزات والفساد في بلدية الناصرة بالادعاء بأن الأزمة نتجت فقط عن تقليص الميزانيات. صحيح أنه لا يمكن تجاهل التمييز المالي ضد السلطات المحلية العربية، وعلى رأسها الناصرة، لكن كل ذلك يحدث إلى جانب إخفاقات إدارية كبيرة داخل البلدية هي التي أوصلت المدينة إلى هذا الوضع.”
وأضاف بسخرية: “أليست هذه نفس حكومة نتنياهو التي مدحها علي سلام ودعمها قبل بضع سنوات؟”
*تمت ترجمة ونشر التقرير بإذن خاص من موقع سيحا ميكوميت