
تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من التقلبات الحادة، حيث تقود وول ستريت الاتجاه الهبوطي وسط مخاوف متزايدة بشأن الركود الاقتصادي، وبورصة تل أبيب ليست استثناءً من هذا الاتجاه السلبي، إذ شهدت الأسواق المالية الإسرائيلية انخفاضات حادة اليوم الثلاثاء، حيث سجل مؤشر تل أبيب 35 تراجعًا بنسبة 1.3%، وسجل مؤشر تل أبيب 90 انخفاضًا بنسبة 2.1%، وذلك على وقع التراجعات العنيفة التي ضربت أسواق الأسهم الأمريكية في الجلسة الماضية.
التراجعات في وول ستريت جاءت بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي لم يستبعد فيها احتمال دخول الولايات المتحدة في حالة ركود اقتصادي. مؤشر ناسداك تكبد خسارة بلغت 4%، ما أدى إلى محو حوالي تريليون دولار من قيمته السوقية، في أسوأ جلسة له منذ عام 2022. كما فقد ستاندرد آند بورز 500 نحو 2.8% من قيمته، بينما خسر داو جونز الصناعي 2.1%. هذه الخسائر انعكست على الأسواق العالمية، حيث تراجعت الأسواق الآسيوية والأوروبية خلال الجلسة، بينما انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية بشكل طفيف بعد عمليات بيع واسعة النطاق.
تأثير التراجعات لم يقتصر على الأسهم فحسب، بل شمل أسواق العملات أيضًا. في إسرائيل، ارتفع سعر الدولار مقابل الشيكل إلى 3.63، بينما سجل اليورو ارتفاعًا بنسبة 0.4% ليصل إلى 3.96 شيكل، وذلك وسط تصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي. بحسب خبراء الأسواق المالية، فإن الشيكل قد يعود للتعافي على المدى المتوسط والطويل، إلا أن الضغوط الحالية تجعله عرضة لمزيد من التقلبات في الأجل القصير.
في قطاع الأسهم، تأثرت أسهم الشركات المالية والتأمين بشكل خاص، حيث انخفض مؤشر تل أبيب للتأمين بنسبة 2.5%، في حين تراجع مؤشر البنوك بنحو 2%. هذه التراجعات تعكس التأثير السلبي لاضطرابات الأسواق العالمية على القطاع المالي في إسرائيل، حيث يعتمد جزء كبير من المؤسسات المالية على استثمارات في الخارج، مما يجعلها عرضة لأي صدمات في الأسواق الدولية.
الاقتصاد العالمي تحت الضغط وتأثيره على تل أبيب
يشير محللون إلى أن الأسواق تعيش حالة من عدم اليقين بسبب السياسة التجارية غير المستقرة لإدارة ترمب، حيث تستمر الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية بشكل مفاجئ ثم التراجع عنها، ما يخلق بيئة غير مستقرة للشركات والمستثمرين. المستثمرون في تل أبيب يتابعون عن كثب هذه التطورات، حيث أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الأسواق العالمية والتجارة الخارجية، ما يجعل أي اضطرابات في وول ستريت أو الاقتصاد الأمريكي ذات تأثير مباشر على السوق المحلية.
ويشير الخبراء الماليون المطلعون على السوق أن حالة عدم اليقين هذه تؤدي إلى تباطؤ في الاستثمارات الجديدة، حيث يجد المستثمرون صعوبة في اتخاذ قرارات مالية في بيئة غير مستقرة. كما أن الحديث عن احتمال ركود تضخمي، أي تباطؤ النمو الاقتصادي مع استمرار التضخم في الارتفاع، يزيد من مخاوف الأسواق، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة التي تؤثر على تكاليف الاقتراض والاستثمار.

أداء الشركات الأمريكية وتأثيره على الأسواق العالمية
لم يقتصر التراجع في الأسواق على الأسهم والمؤشرات فقط، بل امتد أيضًا إلى بعض من أكبر الشركات العالمية. أسهم تسلا، التي شهدت ارتفاعًا حادًا خلال العامين الماضيين، فقدت أكثر من 15% من قيمتها في جلسة واحدة، ليتراجع إجمالي خسائرها منذ بداية العام إلى 45%، ما أدى إلى محو جميع المكاسب التي حققتها منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي. تراجع تسلا جاء وسط تقارير تفيد بانخفاض حاد في مبيعاتها في الأسواق الأوروبية، حيث سجلت مبيعات الشركة في ألمانيا، أكبر سوق للسيارات الكهربائية في أوروبا، انخفاضًا بنسبة 76% في فبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
إلى جانب تسلا، شهدت أسهم إنفيديا لأشباه الموصلات تراجعًا بنسبة 5.1%، ما يجعل إجمالي خسائرها منذ بداية العام يفوق 20%، بعد أن كانت من بين أكبر الرابحين خلال العامين الماضيين، حيث ارتفعت قيمتها بنسبة 820% خلال تلك الفترة. شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى لم تكن بمنأى عن هذا الاتجاه السلبي، حيث تكبدت شركات الطيران وسفن الرحلات البحرية خسائر كبيرة أيضًا. سجل سهم يونايتد إيرلاينز انخفاضًا بنسبة 7.6%، في حين تراجع سهم كارنيفال المشغلة لسفن الرحلات البحرية بنسبة 6.3%.
السندات الإسرائيلية تحت المجهر وسط تقلبات الأسواق العالمية
في سوق الديون الإسرائيلية، انعكست التقلبات في الأسواق العالمية على أداء السندات الحكومية، حيث سجلت عائدات السندات لأجل عامين انخفاضًا بمقدار 20 نقطة أساس لتصل إلى 3.94%، مما يعكس تزايد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي. العائد على السندات لأجل عشر سنوات بقي مستقرًا، مما يشير إلى أن الأسواق لا تزال ترى الاقتصاد الإسرائيلي في وضع مستقر نسبيًا على المدى الطويل.
على صعيد آخر، أُعلن عن تراجع عجز الموازنة الإسرائيلية للشهر الخامس على التوالي، حيث انخفض في فبراير إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بشهر يناير الذي بلغ فيه العجز 5.7%. يأتي هذا التراجع في العجز في ظل محاولات الحكومة للسيطرة على النفقات العامة وتعزيز الإيرادات عبر تعديلات ضريبية وإصلاحات اقتصادية تهدف إلى تخفيف الضغوط على المالية العامة.
التوقعات للأسابيع المقبلة
التقلبات في الأسواق العالمية، والتطورات الجيوسياسية، والسياسات الاقتصادية لإدارة ترمب ستظل عوامل رئيسية تحدد اتجاه الأسواق المالية في تل أبيب خلال الأسابيع المقبلة. هناك عدة أحداث رئيسية قد تؤثر على مسار السوق، منها تقدم المفاوضات بشأن الموازنة العامة في الكنيست، وكذلك التطورات المرتبطة بالأوضاع الأمنية والتوترات الجيوسياسية في المنطقة. في الوقت ذاته، تراقب الأسواق أي إشارات جديدة من البنك المركزي الأمريكي بشأن السياسات النقدية، حيث أن أي تغيير في أسعار الفائدة الأمريكية سيكون له تأثير مباشر على أداء الأسواق العالمية، بما في ذلك إسرائيل.
على المدى القريب، من المتوقع أن تبقى الأسواق في حالة من التذبذب، مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي وتأثيرها على شهية المستثمرين للمخاطرة. التحركات في أسواق السندات والعملات ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هناك ثقة في الاستقرار الاقتصادي أم أن المخاوف من الركود ستتصاعد بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسهم والسندات والقطاعات المالية المختلفة.
مقالات ذات صلة: ماذا تعرفون عن أهم 5 مؤشرات مالية في العالم؟