بدأت الولايات المتحدة رسميًا فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، في خطوة من شأنها تصعيد التوترات التجارية مع أبرز شركائها الاقتصاديين. القرار الذي وقع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 10 فبراير لماضي، دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 12 مارس، ليزيد من حالة الغموض التي تحيط بالاقتصاد العالمي، ويثير ردود فعل حادة من الاتحاد الأوروبي والصين، بينما قررت أستراليا عدم الرد بالمثل.
فيما كان الهدف المعلن من هذه الرسوم حماية الصناعات الأميركية من الإغراق وتعزيز الإنتاج المحلي، يرى محللون أن تأثيرها سيمتد إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لمعظم قطاعات الإنتاج داخل الولايات المتحدة، بدءًا من صناعة السيارات إلى الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية، ما قد يؤدي إلى رفع الأسعار وزيادة التضخم.

أوروبا ترد برسوم مضادة بقيمة 28 مليار دولار
الاتحاد الأوروبي لم ينتظر طويلًا للرد على الإجراءات الأميركية، إذ أعلنت المفوضية الأوروبية عن عزمها فرض رسوم جمركية مضادة على واردات أميركية بقيمة 26 مليار يورو اعتبارًا من أبريل المقبل. السلع المستهدفة تشمل الدراجات النارية، القوارب، والويسكي، بالإضافة إلى عدد من المنتجات الزراعية مثل لحوم الأبقار، الدواجن، البيض، المكسرات، ومنتجات الألبان، إضافة إلى سلع صناعية كالأجهزة المنزلية، البلاستيك، والمنسوجات.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وصفت القرار الأميركي بأنه “ضار بالأعمال والمستهلكين”، مشددة على أن الاتحاد الأوروبي لن يقف مكتوف الأيدي أمام “ضرائب غير مبررة تؤثر على مصالحه الاقتصادية”. وأكدت بروكسل أن الرسوم الأميركية ستؤثر على 5% من إجمالي الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن المستوردين الأميركيين سيضطرون لدفع 6 مليارات يورو إضافية في شكل رسوم جمركية.
الصين تندد وتتوعد بإجراءات مضادة
الصين بدورها رفضت القرار الأميركي واعتبرته انتهاكًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ أن “الحمائية التجارية لا توفر حلولًا مستدامة”، مشيرة إلى أن بكين ستتخذ “كل التدابير اللازمة” لحماية مصالحها.
الصين كانت قد واجهت إجراءات مماثلة من ترمب خلال ولايته الأولى في 2018، عندما فرضت واشنطن رسومًا جمركية على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية والصينية، ما أدى إلى نشوب حرب تجارية كبرى بين القوتين الاقتصاديتين، أثرت بشكل كبير على التجارة العالمية وأسعار السلع.

أستراليا ترفض التصعيد رغم استهداف صادراتها
رغم استهداف الرسوم الجمركية الأميركية لواردات الصلب والألومنيوم الأسترالية، أكد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز أن بلاده لن ترد بفرض رسوم مضادة. ألبانيز وصف الخطوة الأميركية بأنها “غير مبررة”، لكنه أشار إلى أن حكومته ستواصل السعي للحصول على إعفاء من هذه الرسوم، على غرار ما حصلت عليه أستراليا عام 2018 عندما منحتها إدارة ترمب إعفاءً استثنائيًا بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر.
أوضح ألبانيز أن التعريفات التجارية تزيد التضخم وتضر بالنمو الاقتصادي، مؤكدًا أن حكومته لن تنجر وراء سياسات مماثلة قد تؤدي إلى “إلحاق الضرر الذاتي بالاقتصاد”. كما شدد على أن القرار الأميركي قد يؤثر على آلاف الوظائف في قطاع الصلب الأسترالي، خصوصًا مع ارتباط بعض الشركات المحلية بعقود مباشرة مع السوق الأميركية.
تصاعد التوترات التجارية وتأثيرها على الأسواق العالمية
قرار ترمب بفرض الرسوم الجمركية، الذي أعقبه رفع مفاجئ للرسوم على واردات الصلب الكندية من 25% إلى 50% قبل أن يتراجع عنه لاحقًا، أضاف مزيدًا من الغموض للأسواق العالمية، التي كانت تعاني بالفعل من ضغوطات اقتصادية متزايدة.
المخاوف من تصاعد الحرب التجارية أثرت بشكل مباشر على الأسواق المالية، حيث شهدت وول ستريت والبورصات الأوروبية والآسيوية تراجعات حادة بسبب القلق من تأثير التعريفات الجديدة على التصنيع والتجارة الدولية. كما دفعت هذه الخطوات العديد من الشركات الأميركية إلى رفع توقعاتها للأسعار، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية على المستهلكين في الولايات المتحدة.
إدارة ترمب ترى أن هذه الرسوم ستعزز القدرة التنافسية للصناعات الأميركية وتساعد على خلق وظائف جديدة في قطاع التعدين والصناعات الثقيلة، لكنها في المقابل تثير مخاوف من ركود اقتصادي محتمل بسبب تزايد الضغوط على سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وخارجها.
مقالات ذات صلة: لماذا يضعف الدولار عالميًا ويقوى أمام الشيكل؟