في واحدة من أضخم الصفقات بتاريخ قطاع التكنولوجيا والأمن السيبراني، أعلنت شركة غوغل الأميركية استحواذها على شركة “ويز” WIZ الإسرائيلية مقابل 32 مليار دولار نقدًا، في خطوة استراتيجية تهدف لتعزيز مكانتها في سوق الحوسبة السحابية العالمي ومنافسة عمالقة القطاع، أمازون ومايكروسوفت.
الصفقة، التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ غوغل، تأتي بعد مفاوضات استمرت لأشهر، حيث رفضت “ويز” عرضًا أوليًا بقيمة 23 مليار دولار قبل أن تقرر الموافقة تحت إغراء الزيادة الضخمة التي وصلت إلى 10 مليارات دولار إضافية. ووفقًا لتقديرات السوق، فإن قيمة الصفقة لا تعكس فقط أداء “ويز” الحالي، بل تراهن على إمكانيات نمو هائلة في قطاع الأمن السحابي خلال السنوات المقبلة.

أهمية الصفقة لغوغل: سد فجوة الأمن السيبراني في سباق الحوسبة السحابية
رغم النمو السريع الذي حققته “غوغل كلاود”، حيث ارتفعت إيراداتها من 9 مليارات دولار عام 2019 إلى 43 مليار دولار في 2024، لا تزال غوغل في المركز الثالث عالميًا بحصة سوقية تبلغ 12%، خلف أمازون التي تسيطر على 32%، ومايكروسوفت بنسبة 20%.
أحد أهم أسباب هذا الفارق يكمن في غياب حلول أمن سيبراني متكاملة لدى غوغل، في وقت تحولت فيه الحماية الرقمية إلى العامل الأهم لدى المؤسسات الكبرى عند اختيار مزود الخدمات السحابية. مايكروسوفت، على سبيل المثال، عززت موقعها من خلال استثمارات ضخمة في الأمن السيبراني، بينها شراء شركات إسرائيلية رائدة.
من هنا، تمثل “ويز” الورقة الرابحة التي تحتاجها غوغل، بحسب موقع كالكاليست الاقتصادي، إذ إنّ الشركة الإسرائيلية، التي تأسست قبل خمس سنوات فقط، باتت رائدة عالميًا في مجال حماية البنى التحتية السحابية CNAPP، وتقدم خدماتها الأمنية لنحو 50% من شركات Fortune 100، إلى جانب حكومات وشركات ناشئة.
الأهمية الاستراتيجية للصفقة تكمن في أن غوغل ستدمج حلول “ويز” الأمنية في جميع خدمات “غوغل كلاود”، ما يعزز من جاذبية خدماتها مقارنة بالمنافسين ويمنحها ميزة تنافسية واضحة.
تقدم الشركة حلولًا شاملة للشركات تساعدها في حماية بياناتها ومعلوماتها الحساسة من التهديدات الإلكترونية المتزايدة. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني المتقدم، تُمكّن “ويز” زبائنها من الكشف عن الثغرات الأمنية فور حدوثها ومعالجتها قبل أن تصبح مشكلة حقيقية. وتتميز ويز بقدرتها على دمج وتحليل جميع البيانات والمخاطر المكتشفة لتشكيل صورة شاملة وواضحة لأهم التهديدات السيبرانية السحابية، من خلال حساب مئات السيناريوهات المختلفة والربط بينها.
رهان غوغل على المستقبل: الأمن السيبراني قلب المنافسة القادمة
من الواضح أن غوغل لا ترى في “ويز” مجرد استثمار ناجح بل ركيزة أساسية لمستقبلها في سوق الخدمات السحابية، خاصة وأن الأمن السيبراني أصبح القطاع الأسرع نموًا عالميًا. الصفقة تمنح غوغل فريقًا تقنيًا خبيرًا ومشهود له عالميًا في هذا المجال.
الحسابات الاقتصادية للصفقة واضحة أيضًا: فقد حققت “ويز” 500 مليون دولار في الإيرادات السنوية، وتتميز بنمو سريع للغاية وتتوسع عالميًا، وهو ما يجعلها استثمارًا استراتيجيًا طويل الأجل. علاوة على ذلك، فإن غوغل تدرك أن أمن المعلومات سيكون خلال السنوات المقبلة العامل الحاسم في حسم صفقات بمليارات الدولارات مع الشركات الكبرى والحكومات.

استقلالية “ويز” بعد الاستحواذ
ورغم الطابع التاريخي للصفقة، إلا أن أسئلة كثيرة تدور حول مصير “ويز” وفريقها الإداري داخل غوغل. فقد أعلنت غوغل أن “ويز” ستعمل كشركة مستقلة حتى إتمام الصفقة رسميًا في 2026، لكنها أوضحت أن النتائج المالية ستدمج لاحقًا ضمن قسم “غوغل كلاود”.
في هذا السياق، أشارت مصادر مطلعة إلى أن فريق “ويز” قلق من تكرار تجارب استحواذ سابقة انتهت بخروج المؤسسين وفشل المنتج داخل الكيان الكبير، كما حدث مع تطبيق Waze للتنقل الذي استحوذت عليه غوغل سابقًا. لذلك، تسعى إدارة “ويز” لضمان بقاء قدر كبير من الاستقلالية، وسط توقعات بأن تظل الشركة تلعب دورًا محوريًا في السوق حتى بعد اكتمال الاستحواذ.
هل تستمر أمازون ومايكروسوفت في شراء منتجات “ويز”؟
تبقى نقطة هامة تتعلق بموقف المنافسين، خصوصًا أن “ويز” ترتبط بعقود تعاون مع مايكروسوفت وأمازون، اللتين تعدان أبرز منافسي غوغل في سوق السحابة. ورغم تعهد غوغل بمواصلة بيع منتجات “ويز” لأي جهة، إلا أن مراقبين يرون أن من الصعب أن تستمر الشركتان في دعم منتج بات مملوكًا لغريمهما الرئيسي.
مؤشرات السوق تؤكد هذه المخاوف، حيث تراجع سهم غوغل بنسبة 3% بعد الإعلان عن الصفقة، وانخفضت قيمتها السوقية إلى ما دون 2 تريليون دولار، ما يعكس قلق المستثمرين من احتمال فقدان “ويز” لبعض زبائنها الرئيسيين.
مقالات ذات صلة: جوجل تستحوذ على شركة ويز الإسرائيلية للأمن السيبراني مقابل 32 مليار دولار